باب الاستثناء
  [قال الشاعر]:
  ١٩٣ - سفواء تخدي بنسيج وحده(١)
  فإذن، ليس بظرف، وإنما هو حال. ويحتمل أن يكون من المجرور، أي: مررت به، منفردا، في مكانه. ويحتمل أن يكون من الفاعل، أي: قصدته، لا يشاركني فيه أحد. فأما قولهم: بعته يدا بيد، فلم يحمله على التمييز. وإنما حمله سيبويه(٢) على الحال. وتقديره: بعته عاجلا، غير نسيئة.
  فكأنه في التقدير: بعته ذا يد بذي يد. ومعنى ذا يد بذي يد: نقد. ومعنى نقد: عاجل. ألا ترى أنه قد جاء عنه، ﷺ: (الفضّة بالفضّة يدا بيد، ها وها)(٣)، فقوله: (ها، وها): ينبئ عن المناولة. فيكون هذا مقوّيا لمعنى النقد، وأنه عاجل، ليس بنسيئة. فهذا حكم التمييز، والحال.
  وإنما زدنا في شرح هذين البابين، لأنهما يشتبه أحدهما بصاحبه، وإذا تأملت انفصل، وتبيّن كل واحد منهما عن الآخر، بعون الله، جلت قدرته.
باب الاستثناء
  [قال أبو الفتح]: ومعنى الاستثناء: أن تخرج شيئا، مما أدخلت فيه غيره، أو تدخله فيما أخرجت منه غيره.
  [قلت]: الاستثناء: مشتق من: ثنيت فلانا عن الأمر. وثانيته: إذا صرفته عنه. [قال الشاعر]:
  ١٩٤ - لأيا، يثانيه عن الحؤور ... جذب الصّراريين بالكرور(٤)
  فسمي الاستثناء استثناءا، لأن الاسم المستثنى مصروف عن خبر المستثنى منه.
  ووجه ثان، وهو: أنه مشتق من: ثنيت الشيء، إذا ضاعفته. فسمي [٧٩ / أ] استثناءا، لأنه ضوعف به الخبر. إن كان الأول مثبتا، ضوعف بالنّفي. وإن كان الأول نفيا، ضوعف بالإثبات.
  والأصل في الاستثناء: (إلا).
  والاستثناء على ضربين: موجب، ومنفي. فالموجب قولك: قام القوم إلا زيدا. فزيد: مستثنى من موجب. وهو منصوب وناصبه: الفعل قبله، بتقوية (إلّا). ف (إلّا) عدّت (قام) إلى
(١) من الرجز، لدكين بن رجاء، الفقيمي، وقبله: جاءت به، معتجرا، ببرده اللسان (سفا) ١٤: ٣٨٨، وفيه: تردي، بدل: تخدي.
سفواء: خفيفة الناصية، تخدي: تسرع.
(٢) الكتاب ١: ٣٩١، وفيه: (وبايعته يدا بيد ... كأنه قال: بايعته نقدا ... بايعته بالتعجيل).
(٣) لم أقف على رواية هذا الحديث بهذا اللفظ. وإنما هو في: أ - زاد المسلم مما اتفق عليه البخاري ومسلم ١: ١٩٩، بلفظ: (الذهب بالذهب إلا هاء وهاء). ب - سنن أبي داود ٣: ٣٣٨، بلفظ: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء). ج - شواهد التوضيح ٢٥٩، بلفظ: (ولا الذهب بالذهب إلا هاء وهاء). د - موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف ٣٠٣، بلفظ: (ولا الذهب بالذهب إلا ها وها).
(٤) من الرجز، للعجاج، في: ديوانه ٢٢٨، والخزانة ١: ١٦٦، ١٦٨، ٢٠٤.
الحؤور: مصدر حار، إذا جار عن القصد. الصراريون: الملاحون. الكرور: حبال الشراع.