باب الاستثناء
  فهو مستقبل: حاشيت. فثبت أنه فعل.
  ومما يحتج، لكونه فعلا، قوله تعالى: {وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ}(١). وقرأ أبو عمرو: (حاش لله)(٢)، فحذف الألف. وقلّ ما يدخل الحذف في الحرف، إنما بابه الأفعال، والأسماء. وإذا كان: (حاشى لله)، فعلا، فيحتاج إلى الفاعل. وفاعله مضمر في الآية، وتقديره: حاشى يوسف، وبعد يوسف لله، أي: لخوف الله، قال: ولا يكون (حاشى) هاهنا، حرفا، لأن حرف الجر لا يدخل على مثله، وقد جاءت بعده اللام.
  وأما سيبويه، فيمكن أن يكون اللام عنده، زيادة. ويكون (حاشى) حرفا، وقد نص على ذلك أبو الحسن، في الكتاب(٣). والذي يدل على أن (حاشى): حرف جر [قول الشاعر]:
  ٢١٠ - حاشى أبي ثوبان، إنّ به ... ضنّا، على الملحاة، والشّتم
  هذا وقع في الكتاب، ونقله عن المقتضب(٤)، وليس بصحيح، والصحيح:
  ٢١١ - حاشى أبي ثوبان، إنّ أبا ... ثوبان، ليس ببكمة فدم
  عمرو بن عبد الله، إنّ به ... ضنّا، على الملحاة والشتم(٥)
  فجر. ولو كان (حاشى) فعلا، ك (خلا) و (عدا) لجاز: ما حاشى زيدا، كما جاز: ما خلا زيدا. ولم نرهم استعملوا ذلك. فإذا قلت: ما خلا زيدا، نصبت مع (ما) لا غير. [كما قال لبيد بن ربيعة العامري]:
  ٢١٢ - ألا كلّ شيء، ما خلا الله، باطل ... وكلّ نعيم، لا محالة، زائل(٦)
  وإنما نصب مع (ما) ولم يجر، لأن (ما) مصدرية، فيقتضي وصله بالفعل. ولو كان (خلا) حرفا يجر، لم يجز في هذا الوجه أن يكون وصلا [٨٥ / ب] ل (ما) لأن (ما) حرف لا يقتضي العائد إليه. فوجب أن يكون فعلا ناصبا، لما بعده. فأما [قول الشاعر]:
  ٢١٣ - وبلدة ليس بها طوريّ ... ولا، خلا الجنّ، بها إنسيّ(٧)
(١) ١٢: سورة يوسف ٣١.
(٢) السبعة ٣٤٨، وحجة القراءات ٣٥٩، وإعراب القرآن - للنحاس ٢: ١٣٨، والنشر ٢: ٢٩٥. وفيها جميعا خلاف ما ذهب إليه الشارح، إذ قرأ أبو عمرو وحده بثبات الألف.
(٣) لم أجد نص أبي الحسن في الكتاب.
(٤) المقتضب ٤: ٣٩١، إذ قال المبرد: وما كان فعلا ف (حاشى).
(٥) البيت من مرفل الكامل، للجميح الأسدي، في: المفضليات ٣٦٧، ولسبرة بن عمرو الأسدي في: اللسان (حشا) ١٤: ١٨١.
وبلا نسبة في: الإنصاف ١: ٢٨٠، وابن يعيش ٢: ٨٤، والمغني ١: ١٢٢، والخزانة ٤: ١٨٢، وهمع الهوامع ٣: ٢٨٤.
(٦) البيت من الطويل، في: ديوانه ١٣١، والعقد ٥: ٢٧٣، والمغني ١: ١٣٣، والخزانة ٢: ٢٥٥، ٢٥٦، ٢٥٧.
(٧) من الرجز، للعجاج، في: ديوانه ٣١٩، والخزانة ٣: ٣١١، ٣١٤، ٣٣٨. =