كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إعراب الأفعال

صفحة 295 - الجزء 1

  تجري مجرى هذه الحركات، أنهم قالوا: لم يقض، ولم يرم، ولم يخش، ولم يغز. فحذفوا هذه الحروف، في موضع الجزم من هذه الأفعال المعتلة، كما حذفوا الحركات من الصحيح، نحو: لم يقعد، ولم يذكر. فكما أن الحركات، هناك، ساقطة للجزم، سقطت هذه الحروف، أيضا، إذ أجريت مجراها.

  وأما الفعل المعرب، فما في أوله إحدى الزوائد الأربع، نحو: يقوم، ويقعد، وقد ذكرنا: لم خصّت هذه الحروف من بين سائرها، ولم أعرب هذا الفعل الخاص؟. وبقي علينا أن نريك أن الموجب للإعراب، في الأفعال [١٢٢ / ب] المستقبلة غير موجب الرفع فيها. فنقول: إنّ الموجب للإعراب، كونه مضارعا للأسماء، من الأوجه الثلاثة المتقدمة، في صدر هذا الكتاب. وموجب الرفع، وقوعه موقع الاسم. وبيان ذلك، أنا نقول: زيد يقوم، فيرتفع (يقوم) لوقوعه موقع الاسم، إذ موقعه موقع (قائم). فكما أنك، لو قلت: زيد قائم، استقام الكلام به، فكذلك يستقيم، حين تقول: زيد يقوم.

  ولا نظر إلى أنّ الاسم، لو وقع: كيف إعرابه. ألا ترى: أنا نقول: مررت برجل يقوم، ورأيت رجلا يقوم. ولو أوقعت الاسم، هناك، لقلت: مررت برجل قائم، فتجره. ورأيت رجلا قائما، فتنصبه. فالموجب للرفع، وقوعه موقع الاسم، مجردا، وصلاحيته في موقعه، ولا نظر إلى إعرابه.

  [فإن قلت]: فإنا نقول: كاد زيد يقوم، فنرفع (يقوم) ولا يقع هاهنا، موقع الاسم، إذ لو قلنا: كاد زيد قائما، لخرجنا عن أصل كلامهم.

  [قلت]: إنّ قولنا: كاد زيد يقوم، الأصل فيه: كاد زيد قائما، إلا أنهم، رفضوا الاسم، في هذا الموضع، واقتصروا على استعمال الفعل. والدليل عليه، [قول الشاعر]:

  ٢٩٨ - فأبت إلى فهم، وما كدتّ آئبا ... ... (⁣١)

  فأخرج (آئبا) هنا، على الأصل، كما أخرجت العرب: استحوذ، على الأصل، في قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ}⁣(⁣٢)، ليدل على أنّ: استقام: أصله: استقوم. فكذا، هاهنا. قال: وما كدت آئبا، ليدل على أن قولهم: كاد زيد يقوم، في تقدير: كاد زيد قائما. والشيء قد يرفض، ثم يخرج على الأصل، في بعض المواضع.

  وأما حذف الحروف، من الأفعال المعتلة، في موضع الجزم، لم يقض، ولم يخش، ولم يغز،


(١) البيت من الطويل، لتأبط شرا، وعجزه:

... وكم مثلها فارقتها، وهي تصفر

وهو في: شعره ٨٩، وديوان الحماسة ١: ١٨، وفيه: لم أك، والخصائص ١: ٣٩١، والأغاني ٢١: ١٤١، وفيه: ما كنت، واللسان (كيد) ٣: ٣٨٣، والخزانة ٨: ٣٧٤، ٣٧٥، ٣٧٦، ٩: ٣٤٧.

وبلا نسبة في: الإنصاف ٢: ٥٥٤، وابن يعيش ٧: ١٣، وابن عقيل ١: ٣٢٥، وأوضح المسالك ١٥٢ (صدره).

(٢) ٥٨: سورة المجادلة ١٩.