كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

صفحة 320 - الجزء 1

  بمنع الصرف: إنما هو التنوين فقط. ولكن إذا لم يدخل التنوين، فيما لا ينصرف، فإن الجر، أيضا لا يدخله؛ تبعا للتنوين. لأن الجر يعاقب التنوين؛ وإنما لم يدخله الجر؛ تبعا للتنوين.

  [فإن قلت]: فلم قلتم بأنه إذا لم يدخله التنوين، وجب أن لا يدخله الجر؟.

  [الجواب]: لأن التنوين من خصائص الأسماء، والجر، أيضا، من خصائصها. فحيث دخل التنوين، دخل الجر.

  فأما إذا دخل الألف، واللام هذا الاسم، أو أضيف، فإنه يدخله الجر. وذلك لأنه، هناك، أمن من دخول التنوين، فلما أمن من دخول التنوين عليه، دخله الجر؛ لأن الجر، إنما لا يدخل في اسم، لا يدخله التنوين، ويمكن أن يدخله. فهاهنا، لما لم يمكن أن يدخله التنوين، دخله الجر. فنقول: هذا أحمد، ورأيت أحمد، ومررت بأحمد. فقوله: مررت بأحمد. أحمد: مجرور، وعلامة الجر فيه، فتحة الدال. وهو كما تقول، في قولك: رأيت مسلمات، فإنه منصوب. وعلامة النصب فيه: كسرة التاء. فكذلك، أيضا، هاهنا. والفتحة، في قوله: مررت بأحمد، فتحة إعراب، لا فتحة بناء، كما ذكرنا. ولأن الشبهية بالأفعال، لا توجب البناء؛ وإنما تمنع الصرف، والشبهية بالحروف توجب البناء، وهاهنا، لم توجد الشبهية بالحروف؛ فلهذا قلنا: إنّ هذه الفتحة، في حالة الجر، فتحة إعراب، لا فتحة بناء.

  [فإن قلت]: يجوز أن يكون هذا الاسم، في حالة الرفع، والنصب معربا، وفي حالة الجر مبنيا، لأن المعرب قد يعود مبنيا. هذا كما تقول، في قولك: يا زيد. وذلك لأن (زيدا) معرب. ثم يطرأ عليه ما يبنيه، فكذلك، أيضا، جاز أن يكون، هاهنا، في حالة الرفع، والنصب معربا، وفي الجر يعود مبنيا.

  [الجواب]: قلنا: ليس كذلك، وذلك، لأن في المنادى، إنما بني لأنه وقع موقع المضمر، فبني. وهاهنا، لم يقع موقع المضمر، فلم يبن.

  والأسباب التي تمنع الصرف: تسعة، وهي: وزن الفعل الذي يغلب عليه، أو يخصه، والتعريف، والتأنيث لغير فرق، والألف، والنون المضارعتان لألفي التأنيث، والوصف، والعدل [١٣٥ / ب]، والجمع، والعجمة، وأن تجعل الاسمين اسما لشيء واحد.

  الأول: وزن الفعل الذي يغلب عليه، أو يخصه: وقولنا: يغلب عليه، يعني (الأغلب) أنه إنما يكون في الأفعال، ولا يكون في الأسماء، إلا نادرا. لأن قوله: يضرب، ويشتم، وغير ذلك من الأفعال التي تأتي على وزن (يفعل) فإن أكثره، وأغلبه؛ إنما يوجد في الأفعال. فأما الأسماء، فإنه عدة أسماء على وزن (يفعل) نحو: يزيد، ويشكر، وتغلب، وغير ذلك. فالأغلب الذي يكون على هذا الوزن، فإنه يكون في الأفعال.

  وقولنا: يخصه: معناه: يختص بالفعل، ولا يوجد في الأسماء اسم على هذا الوزن، وهو مثال (انفعل) أو (فعل) فإنه لا يوجد في الأسماء اسم على هذا الوزن إلا قولهم: أنقحل، ودئل. وهما شاذان، لا يقاس عليهما كل ما كان على وزن (أفعل) و (يفعل) و (نفعل) و (تفعل) و (فعل) و (انفعل). فإن بعض هذه الأوزان، أغلبها في الفعل، وبعضها يختص بالفعل. فإذا سميت بهذه