كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الإعراب والبناء

صفحة 68 - الجزء 1

  الرفع، والنصب، ومنع الجر، لأنه فرع على الاسم، فهو: أحط درجة من درجة الاسم، فمنع الجر، من أجل ذلك، ولكن مضارعته للاسم قوية، فلا بد من توفير قضية الشبه عليه، فعوض الجزم من الجر، ليكون إعرابه من ثلاث جهات، كما في الأسماء. فهذه هي العلة المعتمدة في تخصيص الجر بالأسماء، والجزم بالأفعال⁣(⁣١). وقال قوم: إنما لم يدخل الجر الفعل، لأن الفعل، لا تمكن الإضافة إليه، لأنه لا يمتلك شيئا، ولا يستحقه. والجر لا يكون إلا بالإضافة⁣(⁣٢). وهذه علة فاسدة، لأن [٥ / ب] الجر، إنما يكون بالإضافة في الأسماء. فلو كان المانع للفعل من الجر، الإضافة أمكن أن يكون للجر عامل غير الإضافة، فيعمل في الفعل. ألا ترى أن الرفع، والنصب، يدخلان الفعل، بعوامل غير عوامل الأسماء، لأن الرفع، والنصب في الأسماء، إنما يكون بالفاعلية، والمفعولية. وفي الفعل بوقوعه موقع الاسم، وب (إن وأخواته). فلما جاز دخول الرفع، والنصب في الأفعال بغير عوامل الأسماء، فلم لا يكون الجر داخلا عليه بغير الإضافة؟. وإذا كان كذلك لم يصح ادعاء هذا المدعي⁣(⁣٣). وقال الأخفش⁣(⁣٤): إنما امتنع الجر من الأفعال، لأن الأفعال أدلة على فاعليها⁣(⁣٥)، فهي مع فاعليها جملة، فلا يمكن قيامها مقام التنوين. وهذا مثل الأول فإن زعم زاعم فإنما نضيف أسماء الزمان إلى الأفعال، نحو ما جاء من قوله تعالى: {هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}⁣(⁣٦) وما أشبهه، فلم لم يقل: إن الإضافة إلى الفعل صحيحة، وأنه يجب أن يدخل عليه الجر على زعم هذا الزاعم.

  [قلنا]، لهذا الزاعم أن يقول: إن الإضافة وقعت إلى ما دل عليه الفعل من المصدر، لأن قوله: ينفع، يدل على النفع. فكأنه قال: يوم نفع الصادقين. وإذا كان كذلك امتنع نفس الفعل من الجر⁣(⁣٧).

  [قال أبو الفتح]: والبناء أربعة أضرب: ضم، وفتح، وكسر، ووقف. فالضم في الاسم، نحو: قبل، وبعد، وحيث.

  [قلت]: الأصل في البناء: الأفعال، والحروف، والأصل في الإعراب: الأسماء. فإذا جاء الاسم معربا، فعلى أصله جاء، وإذا جاء الاسم مبنيا، فاطلب العلة في ذلك. وإذا جاءت الأفعال مبنية، فعلى أصلها جاءت، وإذا جاء الفعل معربا، فاطلب العلة. وإذا ثبت هذا، فالمبني ينبغي أن يكون بناؤه على السكون، فإن جاء متحركا، فاطلب العلة. والحركة فيه الكسر فإن جاء مضموما، أو


(١) الكتاب ١: ١٤، ونصه: (وليس في الأفعال المضارعة جر، كما أنه ليس في الأسماء جزم، لأن المجرور داخل في المضاف إليه، معاقب للتنوين، وليس ذلك في هذه الأفعال).

(٢) الإيضاح في علل النحو ١٠٨.

(٣) هو: أبو القاسم الزجاجي. في الإيضاح ١٠٨.

(٤) هو: الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة المجاشعي (ت ٢١٥ هـ). أخذ النحو عن سيبويه، وكان أحذق أصحابه. ينظر: مراتب النحويين ٦٨، وأخبار النحويين البصريين ٣٩.

(٥) الإيضاح في علل النحو ١٠٩.

(٦) ٤: سورة المائدة ١١٩.

(٧) مجمع البيان ٣: ٢٧٠، وفيه: قال أبو علي: (والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة، لا إلى مصدره. ولو كانت الإضافة إلى المصدر، لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه).