كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الإعراب والبناء

صفحة 73 - الجزء 1

  في (أولاء) فما تقول في (هؤلاء) وقد ظهرت (ها) فيه، وهي للإشارة، فيمكنه أن يقول مثل ما قيل في (أمس) إلا أن طريقة أبي علي في هذه الأشياء غير الذي قال. ألا ترى أنه قال، وهو يرد على أبي إسحق⁣(⁣١) قوله في (ثمّ) في قوله تعالى: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}⁣(⁣٢): إن (ثمّ) بني لتضمنه معنى الإشارة، فقال أبو علي: ما من اسم إلا وهو إشارة إلى المسمى، ودليل عليه، فيجب أن يكون جميع الأسماء مبنية. وليس الأمر كذلك، وإن قال إنه مبهم، فإن قولنا: شيء مبهم، وليس بمبني.

  فالموجب ل (هؤلاء) ول (ثم) البناء، وهذا وذاك عنده⁣(⁣٣) تضمنه معنى لام التعريف⁣(⁣٤). وقد ذكرنا هذا في مواضع أخر.

  [قال أبو الفتح]: وفي الحرف، في (جير).

  [قلت]: بني (جير)، لأنه حرف، وحرك لالتقاء الساكنين، وكسر، لأنه الأصل في التقاء الساكنين.

  [قال أبو الفتح]: وفي لام الإضافة، ويائها.

  [قلت]: الأصل في الحروف المفردة كلها أن ينطق بها مفتوحة، كواو العطف، وفائه، نحو: زيد، وعمرو، وزيد فعمرو، إلا أن الباء جاءت بخلاف الأصل، مكسورة، حتى يكون وفقا لمعموله. ألا ترى أنه يعمل الجر في نحو قولك: مررت بزيد، فلما كان كذلك أعملوه وبنوه على الكسر. فأما اللام في نحو قولك: المال لزيد، فإن الأصل فيه الفتح، لأنه حرف جاء لمعنى.

  والدليل على ذلك قولك: المال لك وله. فالفتح فيه الأصل، لأن المضمر يرد الأشياء [٨ / ب] إلى أصولها، وإنما كسرت مع المظهر، في نحو: لزيد، ولعمرو، حتى يفرق بين لام الابتداء، ولام الجر، في نحو قولك: إن هذا لزيد، إذا أردت أنه ملكه، و: إنّ هذا لزيد، إذا أردت أنه هو. فلما كان هذا الفرق لا بد منه، كانت الحركة فارقة بينهما. [فإن قلت]: إنك إذا قلت: إنّ هذا لزيد، فإن عمل اللام الذي هو الجر يفصل بين المعنيين، ألا ترى أنك إذا قلت: إنّ هذا لزيد، تريد: أنه (هو)، رفعت. وإذا أردت أنه ملكه، جررت، فالرفع، والجر يفرقان بين المعنيين.

  [قلت]: هذا المعنى يتصور فيما ظهر فيه الإعراب. فأما ما لا يظهر فيه الإعراب، نحو قولك: إن هذا لموسى، وإن هذا لموسى، فإنه لا بد من فتح اللام، وكسرها في الموضعين، ليفرق


(١) هو إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت ٣١١ هـ، وقيل: ٣١٦). له: (معاني القرآن)، و (الاشتقاق)، و (خلق الإنسان)، و (القوافي)، و (النوادر). ينظر: طبقات النحويين ١١١، ١١٢، ونزهة الألباء ١٨٣، ١٨٥، والبلغة ٥، ٦.

(٢) ٢: سورة البقرة ١١٥.

(٣) أي: عند ابن جني.

(٤) مجمع البيان ١: ١٩١، وفيه: (إنما بني (ثمّ) في الأصل، لأنه معرفة. وحكم الاسم المعرف أن يكون بحرف، فبني لتضمنه معنى الحرف الذي يكون به التعريف، والعهد. ألا ترى أن (ثمّ) لا تستعمل إلا في مكان معهود معروف لمخاطبك).

وفي المغني ١: ١١٩: (وهو ظرف لا يتصرف يشار به إلى المكان البعيد).