فوائد وفرائد،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

من مشاهد القرآن الكريم

صفحة 128 - الجزء 1

  رضا أحسن من رضاهم، وأي سعادة أبلغ من سعادتهم، فالسعيد واللهِ من قهر نفسه في هذه الدنيا الفانية ليسعد بذلك في الآخرة الباقية.

  وبعد قوله: {وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨ لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩} قال: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ١٠} فالجمال بلغ منتهاه في أين؟ في جنة عالية فهي رفيعة القدر، أكلها دائم وظلها، لا تجف أنهارها ولا تنقص، فأنهارها من العسل والخمر والماء والألبان مطردة لا تنقطع أثمارها كما قال سبحانه وتعالى: {لَّا مَقۡطُوعَةٖ وَلَا مَمۡنُوعَةٖ ٣٣}⁣[الواقعة].

  أشجارها مغروسة بين كثبان المسك، الأسِرّة للاستمتاع قد وضعت على حافات تلك الأنهار وليس الخبر كالعيان، {تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ ٢٤ يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ ٢٥ خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ ٢٦}⁣[المطففين]، {يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ ١٧}⁣[الواقعة]، وجوههم كاللؤلؤ، لهم خدود كصفائح الفضة من صفائها، {وَعِندَهُمۡ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ عِينٞ ٤٨}⁣[الصافات]، {كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٥٨}⁣[الرحمن]، و {كَأَنَّهُنَّ بَيۡضٞ مَّكۡنُونٞ ٤٩}⁣[الصافات].

  في ضيافة خالقهم يتنعمون، وفي ما اشتهت أنفسهم خالدون، نزلاً من غفور رحيم، فالسعيد والله من أطاع ربه وأخلص لله نيته، وحقر هذه الدنيا الفانية، قال أمير المؤمنين: (جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا) ووصف أهلها بالكلاب العاوية والسباع الضارية.