التفكر وفضله
  فإذا علمت وتيقنت أنك بارزت ربك بالمعاصي وتخفيت من خلقه سواء بالفعل أو القول أو العزم والإرادة فعليك أن تستقبح ذلك من نفسك، وتقول: كيف لو آخذني الله حال العصيان غير تائب، فكم من عاص عاجله الله بالنقمة، وأنا أمهلني ولم يكشف ستري، ولم يمنعني خيره، بل أسبل علي نعمه الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، ودعاني إلى باب رحمته الوسيع بألطف نداء: {۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣}[الزمر]. فيحق لك بعد ذلك أن تغير النظرة بقلبك إلى خالقك الرحمن الرحيم وتقول: يا مولاي، من ألأم مني عبدًا، ومن أكرم وأرحم منك ربًّا، آكل نعمك وأتغذى بخيراتك وأكتسي عافيتك ثم أبارزك بالمعاصي وأتخفى من خلقك، أفرح بمدائح المادحين، وأنسى مراقبة رب العالمين وما أودع فيَّ من آلات الرصد فاليدان والقدمان والعينان والأذنان علي يوم القيامة شاهدة، {ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٦٥}[يس] {حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٠}[فصلت] {يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ ٩}[الطارق]، وغير ذلك كثير.
  فعند ذلك يحق لكل عاقل أن تطول حسرته على ماضي عمره، ويردد قول العصاة يوم القيامة: {وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا