بحث حول الخوف
  يكرّه بالحياة الدنيا، ويكرِّه بما في يديك، والإكثار من ذكر الموت يجعل العظيم الجسيم حقيراً، ويصير الصغير الحقير في أعين الناس عظيماً، فالعظيم الجسيم هنا كل ما يفرح ويسعد به أهل الدنيا، والصغير الحقير هنا كل ما أريد به وجه الله تعالى والدار الآخرة، فلا تنظر إلى شيء في الدنيا سواء كان في يدك أم في يد غيرك فيعجبك إلا وانقضّ عليه الموت كالسبع المفترس، إذا كنت آخذاً بنصيحة رسول الله ÷ فسمَّجه في عينك وصَغَّر قدره في قلبك، وهذا العلاج النبوي يحتاج إلى جهد جهيد ومتابعة حتى تكون ممن غُرس ذكر الموت في قلبه فنبت وفرع وأزهر وأثمر.
  فوالله ما أرى أسعد من صاحب هذا الخليقة أحداً إلا من كان على منواله، ألا ترى إلى قول الوصي في من هذا حالهم: (قد أنسوا بما استوحش منه المترفون).
  وكيف لا يكون الموت شعاراً ودثاراً للمؤمن وقد هدد الله سيد المرسلين وخاتم النبيين ÷، افرض أيها المؤمن، أنك قد وصلت إلى أرض المحشر، وأنت كذلك واصل لا محالة، فلا ترى أينما نظرت إلا بشراً ينتظرون، لماذا ينتظرون؟ ينتظرون للحساب ودقته، قال أمير المؤمنين في دقة الحساب: (ليس قطعاً بالمدى - أي: بالسكاكين - ولا ضرباً بالسياط ولكن الأمر ما يهون معه ذلك)، وقال في كلام آخر: (فشهدت عليه يومئذٍ عينه بنظره ويده ببطشه، ورجله بخطوه) أو كما قال.