تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع في وصاياه # وذكر مقتله وقبره

صفحة 146 - الجزء 1

  الْأَهْوَالِ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِلِسَانِكَ وَيَدِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعْلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.

  وفي رواية أخرى: وَعَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ الصَّبْرُ، وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ؛ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ، وَمَانِعٍ عَزِيزٍ، وَأَخْلِصِ الْمَسْأَلَةَ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ فِي يَدَيْهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرْ مِنَ الْاِسْتِخَارَةِ، وَاحْفَظْ وَصِيَّتِي.

  ومن هاهنا اتفقت الروايتان: وَلَا تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحًا؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَا غِنَى لَكَ عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ، وَبَلَاغِ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلَا تَحْمِلْ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ بَلَاغِكَ فَيَكُونَ عَلَيْكَ ثِقْلًا وَوَبَالًا، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ زَادَكَ فَيُوَافِيكَ بِهِ حَيْثُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ؛ فَإِنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُودًا لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّ مَهْبَطَهَا يَكُونُ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ. فَارْتَدْ - يَا بُنَيَّ - لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى غَيْرِكَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ لِنَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَى لَهُمْ، وَلَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ، وَالْغَرِيبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَبِيبٌ، وَلَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ، وَأَبْصَرَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ.

  يَا بُنَيَّ؛ قَطِيعَتُكَ الْجَاهِلَ تَعْدِلُ مُوَاصَلَةَ الْعَاقِلِ، قِلَّةُ التَّوَقِّي أَشَدُّ زَلَّةٍ، وَعِلَّةُ الْكَاذِبِ أَقْبَحُ عِلَّةٍ، وَلَيْسَ مَعَ الِاخْتِلَافِ ائْتِلَافٌ، مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ، وَمَنْ تَعَاظَمَ عَلَيْهِ أَهَانَهُ، وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ أَسْلَمَهُ، وَأُسُّ الدِّينِ صِحَّةُ الْيَقِينِ، وَخَيْرُ الْمَقَالِ مَا صَدَّقَهُ الْفِعَالُ.

  سَلْ - يَا بُنَيَّ - عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ، وَاحْتَمِلْ ضَيْمَ الْمُدِلِّ عَلَيْكَ، وَاقْبَلْ عُذْرَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْكَ، وَكُنْ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ لَكَ عَلَى الصِّلَةِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ مِنْهُ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ تَصْنَعَهُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، لِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَيُوشِكَ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَلَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ، بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِانْحِرَافَ عَنِ الْقَصْدِ ضِدُّ الصَّوَابِ وَآفَةُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، فَإِذَا اهْتَدَيْتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَى مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.