الباب الثامن في فضل أهل البيت $ كافة وأخبارهم وما يتصل بذلك
  ١٨٥ - وبه قال: أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي، قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بابن الأصبهاني، قال: حدثني عمي الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مَهْرَوَيْهِ، قال: حدثني محمد بن أبي العتاهية، قال: حدثني أبي قال:
  لَمَّا امْتَنَعْتُ مِنْ قَوْلِ الشِّعْرِ وَتَرَكْتُهُ أَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِحَبْسِي فِي سِجْنِ الْجَرَائِمِ، فَأُخْرِجْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى الْحَبْسِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ دَهِشْتُ وَذَهِلَ عَقْلِي، وَرَأَيْتُ مِنْهُ مَنْظَرًا هَالَنِي، فَرَمَيْتُ بِطَرْفِي أَطْلُبُ مَوْضِعًا آوِي إِلَيْهِ، وَرَجُلًا أَسْتَأْنِسُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِكَهْلٍ حَسَنِ السَّمْتِ، نَظْيْفِ الثَّوْبِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سِيمَاءُ الْخَيْرِ، فَقَصَدْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَوْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ؛ لِمَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْحَيْرَةِ، وَمَكَثْتُ فِي ذَلِكَ مَلِيًّا وَأَنَا مُطْرِقٌ وَمُتَفَكِّرٌ فِي حَالِي، فَأَنْشَدَ الرَّجُلُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ(١): [الطويل].
  تَعَوَّدْتُ مَسَّ الضُّرِّ حَتَّى أَلِفْتُهُ ... وَأَسْلَمَنِي حُسْنُ الْعَزَاءِ إِلَى الصَّبْرِ
  وَصَيَّرَنِي يَأْسِي مِنَ النَّاسِ وَاثِقًا ... بِحُسْنِ صَنِيعِ اللهِ مِنْ حَيْثُ لَا أَدْرِي
  فَاسْتَحْسَنْتُ الْبَيْتَيْنِ، وَتَبَرَّكْتُ بِهِمَا، وَثَابَ عَلَيَّ عَقْلِي، فَأَقْبَلْتُ عَلَى الرَّجُلِ، وَقُلْتُ لَهُ: تَفَضَّلْ - أَعَزَّكَ اللهُ تَعَالَى - بِإِعَادَةِ الْبَيْتَيْنِ.
  فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا إِسْمَاعِيلُ - وَلَمْ يُكَنِّنِي - مَا أَسْوَأَ أَدَبَكَ، وَأَقَلَّ عَقْلَكَ وَمُرُوءَتَكَ! وَمِنْ ذَلِكَ: دَخَلْتَ إِلَيَّ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيَّ تَسْلِيمَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا تَوَجَّعْتَ لِي تَوَجُّعَ الْمُبْتَلَى لِلْمُبْتَلَى، وَلَا تَسْأَلُنِي مَسْأَلَةَ الْوَارِدِ عَلَى الْمُقِيمِ؟! حَتَّى إِذَا سَمِعْتَ مِنِّي بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللهُ فِيهِ خَيْرًا وَلَا أَدَبًا وَلَا جَعَلَ لَكَ مَعَاشًا غَيْرَهُ لَمْ تَذْكُرْ مَا سَلَفَ مِنْكَ فَتَتَلَافَاهُ، وَلَا اعْتَذَرْتَ مِمَّا قَدَّمْتَهُ وَفَرَّطْتَ فِيهِ مِنَ
= الجيوش ص ٤ وفي ص ١٤٢ والديلمي في الفردوس ١/ ١٨٦ وأبو نصر السجزي في الإبانة والعراقي في ذيل لسان الميزان ص ١٠٨ والسيوطي في جامع الأحاديث ٩/ ٢٢٠ وقد روي عن ابن عباس مرفوعا رواه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة ص ٤٠ والذهبي في سير الاعلام ١١/ ٢٣٦.
(١) قد نسبت هذه الأبيات إلى الإمام موسى بن عبدالله # ذكر ذلك الحصري القيرواني في زهر الآداب في قصيدة طويلة ١/ ١٣٠ وابن عساكر في تأريخ دمشق ٦٠/ ٤٥٠ وقال: قد رويت لأبي العتاهية.