تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الثامن في فضل أهل البيت $ كافة وأخبارهم وما يتصل بذلك

صفحة 200 - الجزء 1

  الْحَقِّ؛ حَتَّى اسْتَنْشَدْتَنِي مُبْتَدِئًا كَأَنَّ بَيْنَنَا أُنْسًا قَدِيمًا، وَمَعْرِفَةً سَابِقَةً، وَصُحْبَةَ تَبْسِيطِ الْمُنْقَبِضِ، فَقُلْتُ لَهُ: تَعْذُرُنِي مُتَفَضِّلًا، فَدُونَ مَا أَنَا فِيهِ يُدْهِشُ، قَالَ: وَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ إِنَّمَا تَرَكْتَ قَوْلَ الشِّعْرِ الَّذِي كَانَ جَاهَكَ عِنْدَهُمْ وَسَبِيلَكَ إِلَيْهِمْ فَحَبَسُوكَ حَتَّى تَقُولَ، وَأَنْتَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقُولَهُ وَتُطْلَقَ، وَأَنَا يُدْعَى بِي السَّاعَةَ فَأُطْلَبُ بِعِيسَى بْنِ زَيْدِ بْنِ رَسُولِ اللهِ ÷، فَإِنْ دَلَلْتُ عَلَيْهِ فَقُتِلَ لَقِيتُ اللهَ بِدَمِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ÷ خَصْمِي فِيهِ، وَإِلَّا قُتِلْتُ مَكَانَهُ، فَأَنَا أَوْلَى بِالْحَيرَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَرَى احْتِسَابِي وَصَبْرِي.

  فَقُلْتُ: يَكْفِيكَ اللهُ، وَأَطْرَقْتُ خَجَلًا مِنْهُ، فَقَالَ: لَا أَجْمَعُ عَلَيْكَ التَّوْبِيخَ وَالْمَنْعَ، اسْمَعِ الْبَيْتَيْنِ فَاحْفَظْهُمَا، فَأَعَادَهُمَا عَلَيَّ مِرَارًا حَتَّى حَفِظْتُهُمَا.

  ثُمَّ دُعِيَ بِهِ وَبِي، فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ أَعَزَّكَ اللهُ، قَالَ: أَنَا حَاضِرٌ، صَاحِبُ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ، فَأُدْخِلْنَا عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي أَيْنَ عِيسَى؟ طَلَبْتَهُ وَأَخَفْتَهُ فَهَرَبَ مِنْكَ فِي الْبِلَادِ، وَأَخَذْتَنِي فَحَبَسْتَنِي فَمِنْ أَيْنَ أَقِفُ عَلَى مَوْضِعِ هَارِبٍ مِنْكَ وَأَنَا مَحْبُوسٌ؟! فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ كَانَ مُتَوَارِيًا؟ وَمَتَى كَانَ آخِرُ عَهْدِكَ بِهِ؟ وَعِنْدَ مَنْ لَقِيتَهُ؟

  فَقَالَ: مَا لَقِيتُهُ مُنْذُ تَوَارَى، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ خَبَرًا. فَقَالَ: وَاللهِ لَتَدُلَّ عَلَيْهِ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ السَّاعَةَ، فَقَالَ: اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنِ رَسُولِ اللهِ لِتَقْتُلَهُ! وَأَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ وَهُمَا يُطَالِبَانِنِي بِدَمِهِ؟! وَاللهِ لَوْ كَانَ بَيْنَ ثَوْبِي وَجِلْدِي مَا كَشَفْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقُدِّمَ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.

  ثُمَّ دَعَا بِي، فَقَالَ: أَتَقُولُ الشِّعْرَ أَوْ أُلْحِقَكَ بِهِ.

  فَقُلْتُ: بَلْ أَقُولُ الشِّعْرَ. فَقَالَ: أَطْلِقُوهُ.

  فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ: وَالْبَيْتَانِ اللَّذَانِ سَمِعَهُمَا مِنْ حَاضِرٍ فِي شِعْرِهِ الْآنَ⁣(⁣١).


(١) رواه أبو الفرج في المقاتل ص ٣٥٩ - ٣٦٠ والقاضي المحسن التنوخي في الفرج والشدة ٢/ ١١٦ - ١١٨ =