تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 296 - الجزء 1

  يَا عَجَبًا! عَجَبٌ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيُكْثِرُ الْهَمَّ، وَيَبْعَثُ الْأَحْزَانَ مِنِ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَفَشَلِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، حَتَّى صِرْتُمْ غَرَضًا تُرْمَوْنَ وَلَا تَرْمُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ، وَيُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْنَ.

  يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ، أَحْلَامُ الْأَطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، إِذَا قُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ فِي الْحَرِّ قُلْتُمْ: هَذِهِ حَمَارَّةُ⁣(⁣١) الْقَيْظِ؛ فَمَنْ يَغْزُو فِيهَا؟ أَمْهِلْنَا حَتَّى يَنْسَلِخَ الْحَرُّ عَنَّا، وَإِذَا قُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ فِي الْبَرْدِ قُلْتُمْ: هَذِهِ أَيَّامُ قُرٍّ وَصِرٍّ، أَمْهِلْنَا حَتَّى يَنْسَلِخَ الْقُرُّ عَنَّا، فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ تَفِرُّونَ، فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

  أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ، مَعْرِفَةٌ وَاللهِ جَرَّتْ نَدَمًا، قَاتَلَكُمُ اللهُ؛ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي غَيْظًا، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْخُذْلَانِ، حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قُرَيْشًا تَقُولُ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لَهُ بِالْحُرُوبِ، للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاسًا مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وَهَا أَنَا الْآنَ قَدْ نَيَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ، وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ).

  قال: فقام رجل، فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي كما قال الله: {لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ}⁣[المائدة: ٢٥] فها أنا وهذا أخي؛ فمرنا بأمرك، فوالله لنضربن دونك ولو حال بيننا جمر الغضا، وشوك القتاد، قال: فقال #: (يَرْحَمُكُمَا اللهُ، وَأَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِيدُ)⁣(⁣٢).


(١) حمارة القيظ بتشديد الراء وربما خففت في الشعر للضرورة. (صحاح) (هامش هـ).

(٢) رواه أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢١١ - ٢١٣ والمبرد في الكامل ١/ ٢٠ والجاحظ في البيان والتبيان ٢/ ٣٦ وابن قتيبة في غريب الحديث ٢/ ١٣٧ وأبو الفرج في الأغاني ١٦/ ٤٤٤، وعلي بن مهدي الطبري في نزهة الأبصار ومحاسن الآثار ص ٢٩٢، والثقفي في الغارات ٢/ ٤٧٥ والشريف الرضي ¥ في نهج البلاغة ص ٦٩، والإمام الشهيد المهدي أحمد بن الحسين # في الزاجرة ص ١٢٨ من مجموع رسائله، والشهيد حميد ¥ في الحدائق الوردية ١/ ١٢٢ والأمير الحسين # في شفاء الأوام ٣/ ٥٤٧ مختصرا وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢/ ٧٥ والبلاذري في أنساب الأشراف ٢/ ٤٤٢ والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٨/ ٤٢٠ والابي في نثر الدر ١/ ٢٠٢ وابن عبد ربه في العقد الفريد ٤/ ١٦٠ وابن عساكر في تاريخ =