تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 298 - الجزء 1

  لَمَّا ضُرِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ # الضَّرْبَةَ الَّتِي تُوُفِّيَ مِنْهَا اسْتَنَدَ إِلَى أُسْطُوَانَةِ الْمَسْجِدِ وَالدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى شَيْبَتِهِ، وَضَجَّ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ قُبِضَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فَابْتَدَأَ خَطِيبًا، فَقَالَ بَعْدَ الثَّنَاءِ عَلَى اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ: (كُلُّ امْرِئٍ مُلَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ، وَالْأَجَلُ تُسَاقُ إلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ، فَكَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ! فَأَبَى اللهُ إِلَّا سَتْرَهُ وَإِخْفَاءَهُ عِلْمًا مَكْنُونًا.

  أَمَّا وَصِيَّتِي بِاللهِ ø فَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ، أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ، حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ، وَخَفَّفَ عَنِ الْعَجَزَةِ رَبٌّ كَرِيمٌ رَحِيمٌ، وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمَامٌ عَلِيمٌ.

  كُنْتُمْ فِي إِعْصَارٍ وَذَرْوِ رِيَاحٍ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ رَاكِدُهَا، لِيَعِظْكُمْ خُفُوتِي وَسُكُونُ أَطْرَافِي، إِنَّهُ لَأَوْعَظُ لَكُمْ مِنْ نُطْقٍ بَلِيغٍ.

  وَدَّعْتُكُمْ وَدَاعَ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِ، غَدًا تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، فَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ إِلَى يَوْمِ اللِّزَامِ.

  كُنْتُ بِالْأَمْسِ صَاحِبَكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِظَةٌ لَكُمْ، وَغَدًا أُفَارِقُكُمْ، فَإِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ أَفْنَ فَالْقِيَامَةُ مِيعَادِي، عَفَا اللهُ عَنِّي وَعَنْكُمْ)⁣(⁣١).

  ٣٥٣ - وبه قال: أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن محمد البغدادي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبدالعزيز بن إسحاق، قال: حدثني أحمد بن الحسين الحربي، قال: حدثنا محمد بن الأزهر الطائي الكوفي، قال: حدثنا سلمة بن عامر، عن أبي إسحاق السَّبِيعِي، عن الحارث:

  عن أمير المؤمنين علي # أنه خطب فقال: (أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ أُخْلِصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًا، أَلَا وَإِنَّ الْبَاطِلَ لَوْ أُخْلِصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًا، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا


(١) رواه الشريف الرضي ¥ في نهج البلاغة ص ٢٠٧ والسيد العلامة الأوحد الحسن بن الحسين بن محمد ¦ في التعليق الوافي على الشافي ٣/ ٦٢٢ وابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/ ١١٦ وابن أبي الدنيا في مقتل علي صفحة ٥٥، والطبراني في المعجم الكبير ١/ ٩٦ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٣٩.