تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 300 - الجزء 1

  لِلأَشْيَاءِ، مَنْ لَمْ يَزَلْ لَا بِمَكَانٍ، وَلَا يَزُولُ لِاخْتِلِافِ الْأَزْمَانِ، وَلَا يَغْلِبُهُ شَأْنٌ بَعْدَ شَأْنٍ، الْبَعِيدُ مِنْ تَخَيُّلِ الْقُلُوبِ، الْمُتَعَالِي عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالضُّرُوبِ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَمَعَانِي الْخَلْقِ عَنْهُ مَنْفِيَّةٌ، وَسَرَائِرُهُمْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ، الْمَعْرُوفُ بِغَيْرِ كَيْفِيَّةٍ، لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ، وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْأَقْدَارُ، وَلَا تُقَدِّرُهُ الْعُقُولُ، وَلَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ⁣(⁣١).

  ٣٥٥ - وبه قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن زيد الحسيني |، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي ¥، قال: حدثنا أخي الحسين بن علي، عن محمد بن الوليد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام، عن إسماعيل الجُعْفِي، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي @:

  خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ # النَّاسَ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَفَاضَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا مَبْدَأُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالًا، فَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًا، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيَمْتَزِجَانِ، هُنَالِكَ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ دُونَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى، الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا ثَوَابَ، وَغَدًا ثَوَابٌ وَلَا عَمَلَ، كُونُوا مَفَاتِيحَ الْهُدَى، بِنَا نَفَى اللهُ رِبْقَ الذُّلِّ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَبِنَا يَفْتَحُ وَيَخْتِمُ لَا بِكُمْ وَاللهِ.

  أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانُوا يَبِيتُونَ سُجَّدًا للهِ وَقِيَامًا، كَأَنَّ صَرِيرَ النَّارِ فِي آذَانِهِمْ، إِذَا ذَكَرُوا اللهَ مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرَةُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ⁣(⁣٢).


(١) رواها الشهيد حميد في الحدائق الوردية ١/ ١٠٥ والسيد العلامة المجتهد علي بن محمد العجري ¦ في المنتزع المختار ص ٢٩ والصدوق في التوحيد ص ٧٧، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ١/ ٧٢ - ٧٣، والسيوطي في جامع الأحاديث ٢٩/ ٣٤١ والمتقي الهندي في كنز العمال ١/ ٤٠٨.

(٢) وروى أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ١/ ٧٦ قريبًا منه مع زيادة.