الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك
  وَالْإِخْوَانَ فِي اللهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ قُلْعَةٍ، وَدَارُ بُلْغَةٍ، وَنَحْنُ سَفْرٌ، وَالدَّارُ الَّتِي خُلِقْنَا لَهَا أَمَامَنَا، وَكَأَنْ قَدْ نُقِلْنَا إِلَيْهَا وَوَرَدْنَاهَا، فَتَزَوَّدُوا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّ طَرِيقَ الْجَنَّةِ خَشِنٌ، وَبِالِاجْتِهَادِ يُبْلَغُ إِلَيْهِ، إِنِّي لَا أَغُرُّ نَفْسِي، وَلَا أَخْدَعُهَا بِالْأَمَانِيِِّ، وَلَا أَطْمَعُ أَنْ أَنَالَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَلَا أَشُكُّ فِي أَنَّ مَنْ أَسَاءَ وَظَلَمَ مِنَّا ضُوعِفَ لَهُ الْعَذَابُ.
  وَأَنَا وَلَدُ الرَّجُلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْهُدَى، وَأَشَارَ إِلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ، وَشَرَعَ هَذِهِ الشَّرَائِعَ، وَسَنَّ هَذِهِ السُّنَنَ وَالْأَحْكَامَ، فَنَحْنُ أَوْلَى الْخَلْقِ بِاتَّبَاعِهِ، وَاقْتِفَاءِ أَثَرِهِ، وَاحْتِذَاءِ أَمْثَالِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ)(١).
  ٣٦٦ - وبه قال: أخبرنا أبي |، قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن سلَّام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان، قال: حدثنا علي بن الخطاب الخثعمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأنصاري، عن بشير، عن زيد بن أسلم:
  أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا # فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ هَلْ تَصِفُ لَنَا رَبَّنَا؛ فَنَزْدَادُ لَهُ حُبًّا وَبِهِ مَعْرِفَةً؟.
  فَغَضِبَ عَلِيٌّ # وَنَادَى: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً)، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ صَعَدَ الْمِنْبَرَ وَهُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ:
  (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ، وَلَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ، ثُمَّ كُلُّ مُعْطٍ يُنْتَقَصُ سِوَاهُ، هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَعَوَائِدِ الْمَزِيدِ، ضَمِنَ عِيَالَةَ خَلْقِهِ، وَأَنْهَجَ سَبِيلَ الطَّلَبِ لِلرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيمَا سُئِلَ إِلَيْهِ بِأَجْوَدَ مِنْهُ فِيمَا لَمْ يُسْأَلْ، وَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ فِيهِ الْحَالُ، وَلَوْ وَهَبَ مَا شَقَّتْ(٢) عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ، وَضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ، مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ وَسَبَائِكِ الْعِقْيَانِ، وَنُثَارَةِ الدُّرِّ وَحَصَايِدِ الْمَرْجَانِ
(١) رواه الإمام المنصور بالله # في شرح الرسالة الناصحة ص ٣٣٣، والشهيد حميد في الحدائق الوردية ٢/ ٦٢.
(٢) تَنَفَّسَتْ. نخ.