الباب الرابع والثلاثون في الترغيب في حسن الخلق وما يتصل بذلك
  لَا نَرْجُو جَنَّةً وَلَا ثَوَابًا، وَلَا نَخْشَى نَارًا وَلَا عِقَابًا لَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَطْلُبَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى سُبُلِ النَّجَاحِ).
  فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷؟
  قَالَ: (نَعَمْ؛ وَمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمَّا أَتَانَا سَبَايَا طَيِّءٍ وَقَعَتْ جَارِيَةٌ حَمَّاءُ حَوَّاءُ لَعْسَاءُ لَمْيَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الْأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ، دَرْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ، خَدَلَّجَةُ السَّاقَيْنِ(١)، لَفَّاءُ الْفَخْذَيْنِ، خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ، ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ(٢)، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجِبْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: لَأَطْلُبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ÷ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي فَيْئِي، فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ نَسِيتُ جَمَالَهَا؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ فَصَاحَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ؛ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخْلِيَ عَنِّي وَلَا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ؛ فَإِنِّي ابْنَةُ سُرَّةِ قَوْمِي؛ كَانَ أَبِي يَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلَامَ، وَمَا رَدَّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ عَنْهَا، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ÷: «هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ، لَوْ كَانَ أَبُوكِ إِسْلَامِيًّا تَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا؛ فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اللهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا بُرْدَةَ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بِحُسْنِ الْخُلُقِ»(٣).
(١) وامْرَأةٌ دَرْماءُ: لا تَسْتَبِينُ كُعوبُها ومرَافِقُها، وكُلُّ ما غَطَّاهُ الشَّحْمُ واللَّحْمُ وخَفِيَ حَجْمُهُ فَقَدْ دَرِم، كفَرِحَ. (قاموس ص ١١٠٦). الْخَدَلَّجَةُ بتشديد اللام: المرأة الممتلِئَة الذراعين والساقَين. صحاح (١/ ٣٠٩).
(٢) وفي رواية البيهقي: (لمّا أتى بسبايا طيّء وَقَفَتْ جَارِيَةٌ حَمْرَاءُ لَعْسَاءُ ذَلْفَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الْأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْهَامَةِ، دَرْمَاءُ الْعَيْنِ، خَدِلَةُ السَّاقَيْنِ، لَفَّاءُ الْفَخِذَيْنِ، خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ، ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ، مَصْقُولَةُ الْمَتْنَيْنِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجَبْتُ بِهَا وقلت: لأطلبنّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ÷ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي فَيْئِي فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ أُنْسِيتُ جَمَالَهَا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ فَصَاحَتِهَا).
(٣) رواه أبو الحسن علي بن مهدي الطبري في نزهة الأبصار ومحاسن الآثار ص ١٦٥، ورواه أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ١٧/ ٢٣٣، والإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة في علم الكلام ص ٢٦٥، والإمام المنصور بالله # في حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية ص ١٩٧، والشهيد حميد في الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية ١/ ١٣٦، وأبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين ٢/ ٣٥٨، وأبو القاسم الشَّهْرَزوري المالكي في جزء من حديثه عن شيوخه مخطوط (ن) ص ١٢.