تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الثاني في فضائل النبي ÷ وحسن شمائله

صفحة 74 - الجزء 1

  قَمِيصًا» فَمَضَى عَلِيٌّ # فَاشْتَرَى قَمِيصًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فَلَمَّا لَبِسَهُ رَأَى دِقَّتَهُ⁣(⁣١) فَكَرِهَهُ، فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ؛ أَتَرَى أَنَّ صَاحِبَهُ يَقْبَلُهُ؟» قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، فَمَضَى عَلِيٌّ # وَجَاءَ بِالدَّرَاهِمِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ÷، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، وَمَضَى ÷ نَحْوَ السُّوقِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ÷: «مَا لَكِ؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَعْطَانِي أَهْلِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَبْتَاعُ لَهُمْ بِهَا حَاجَةً، فَسَقَطَتْ مِنِّي، وَأَخَافُ أَنْ يَضْرِبُونِي، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللهِ ÷ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَمَضَى إِلَى السُّوقِ، وَابْتَاعَ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَلَبِسَهُ وَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ انْصَرَفَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَإِذَا سَائِلٌ يَقُولُ: مَنْ كَسَانِي كَسَاهُ اللهُ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَخَلَعَ رَسُولُ اللهِ ÷ الْقَمِيصَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى السُّوقِ، فَابْتَاعَ بِالْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ، وَحَمِدَ اللهَ وَانْصَرَفَ، فَإِذَا السَّوْدَاءُ قَائِمَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ؟ مَا يُبْكِيكِ؟ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُكِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ؟!» فَقَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَلَكِنِّي احْتَبَسْتُ عَنْ أَهْلِي، فَأَخَافُ أَنْ يَضْرِبُونِي، فَقَالَ: «مُرِّي» وَمَضَى مَعَهَا ÷، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَهْلِهَا، فَلَمَّا قَامَ عَلَى الْبَابِ، قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَكَانَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُؤْذِنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا عَلَيَّ وَقَدْ عَرَفْتُمُ الصَّوْتَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ عَرَفْنَا صَوْتَكَ فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ سَلَامِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ الْجَارِيَةُ». فَقَالُوا: هِيَ حُرَّةٌ لِمَمْشَاكَ مَعَهَا.

  قَالَ: وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ÷ وَهُوَ يَقُولُ: «تَاللهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كَسَى اللهُ بِهَا عَارِيَيْنِ، وَأَعْتَقَ بِهَا نَسَمَةً، وَقَضَى بِهَا حَاجَةً»⁣(⁣٢).


(١) أي: حسن صنعته.

(٢) رواه الإمام أبو طالب # في شرح البالغ المدرك ص ٩٠، والصدوق في أماليه ص ٣١٠، ونور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٤.