فصل: (والنكاح)
  إنَّ القُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى ... وتَتْرُكُ الْأَبْنَاءَ مِنْ آبَائِهِمْ يَتَامَى(١)
  أَيْ: تَضُمُّهُمْ. وَبِمَعْنَى الْجَمْعِ؛ يَدُلُّ عَلَيْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
  أَيُّهَا المُنْكِحُ الثَّرَيَّا سُهَيْلا(٢) ... عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ
  هَيَ شَامِيَّةٌ إِذَا مَا اسْتَقَلَّتْ ... وَسُهَيْلٌ إِذَا اسْتَقَلَ يَمَانِ(٣).
  وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثَّرَيَّا سُهَيْلًا؛ وَرَمَزَ بِهِ إِلَى سُهَيْلِ الْيَمَانِيُّ النَّجْمِ الْمَشْهُورِ، الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ ÷: «كَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا عَشَارًا بِالْيَمَنِ يَظْلِمُهُمْ، فَمَسَخَهُ اللَّهُ شِهَابًا حَيْثُ تَرَونَ»(٤).
  وَأَمَّا فِي الاصْطِلَاحِ: فَهْوَ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْوَطْءُ وَلَا تُمْلَكُ بِهِ الرَّقَبَةُ(٥)؛ فَهُوَ عَلَى هَذَا حَقِيقَةٌ° فِي الْعَقْدِ، مَجَازُ فِي° الْوَطْءِ(٦)؛ فَلَا يَصِحُ مِنَ
(١) ذَكَرَهُ السَّرْخَسِيُّ فِي الْمَبْسُوط ٤/ ١٨٨، وَالْفَقِيهُ يُوسُفُ فِي الثَّمَرَاتِ ٢/ ٥٠٠. وَلَمْ يَأْتِ النِّكَاحِ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الضَّمِّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَعْنَى الْوَطْء، وَبِمَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ.
(٢) لَمَّا تَزَوَّجَ سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنَ عَوْفِ بِالثَّرَيَّا بِنتِ عَبْدِ اللهِ الْأُمَوِيَّةِ حمُلَتْ إِلَيْهِ بِمِصْرَ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ قَدْ أَلَحَ عَلَى الثَّرَيَّا بِالْهَوَى، وَشَقَّ عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ سَعْدَ بْنَ عَمْرٍو أَخْرَجَ عُمَرَ إِلَى الْيَمَنِ فِي أَمْرٍ عَلَّقَهُ بِهِ فِي ذِي جِبْلَةَ، فَتَزَوَّجَتِ الثَّرَيَّا وَهُوَ غَائِبٌ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
أَيُّهَا الطَّارِقُ الَّذِي قَدْ عَنَانِي ... بَعْدَ أَنْ نَامَ سَائِرُ الرُّكْبَانِ
سار من نازح بغير دليل ... يتخطى إلي حتى أتاني
(٣) ذَكَرَ الْبَيْتَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِل ٢/ ٧٨٠. فِيهِ تَوْرِيَةٌ بِعَدَمِ مُجَانَسَةِ سُهَيْلِ لِلثَّرَيَّا كَبَعْدِ مَا بَيْنِ النَّجْمَيْنِ.
(٤) الطبراني في الأوسط ٧/ ١٤٦ رقم ٧١١٦، والكبير ١/ ١٠٨ رقم ١٨١. وَهَذِهِ الرَّوَايَةُ مِنَ الْخُرَافَاتِ الْمَكْذُوبةِ.
(٥) احْتِرَازُ مِنْ عَقْدِ الشَّرَاءِ لِلأمَةِ؛ فَإِنَّهُ عَقَد يُمْلَكُ بِهِ الْوَطْءُ وَلَيْسَ بِنِكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْوَطْء وَتُمْلَكُ بِهِ الرَّقَبَةُ.
(٦) البحر الزخار ٤/ ٣، وشرح الأزهار ٤/ ٤٥٦؛ وَحُجَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةِ =