باب ثامن: في ذكر الحج
  أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة(١) بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً ثم غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله ÷ وقد شنق القصواء بالزمام، حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: ((أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَة السَّكِينَة))، وكلما أتى على حبل من الحبال أرخى لها حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين، ولم يسبّح(٢) بينهما، ثم اضطجع رسول الله ÷ حتى إذا طلع الفجر [قام](٣) حين تبين له الصبح فصلى الفجر بأذانٍ واحد وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فقام عليه واستقبل القبلة، فدعا الله ø وهلَّله وكبّره ووحّده، ولم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان حسن الشعر أبيض، فلما أن دفع رسول الله ÷ مرَّ بالظعن فطفق ينظر إليهن، فوضع رسول الله ÷ يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه من الشق الآخر لينظر، فحوَّل رسول الله ÷ يده من الشق الآخر، حتى أتى مُحسّر فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرجك إلى الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة
(١) الحَبْلُ: المستطيل من الرمل، وقيل: الضخم منه، وجمعه حِبَال، وقيل: الحِبَال في الرمل كالجبال في غير الرمل، ومنه حديث بدر: ((صعدنا على حبل)) أي: قطعة من الرمل ضخمة ممتدة، ومنه حديث ((وجعل حبل المشاة بين يديه)) أي: طريقهم الذي يسلكونه في الرمل. تمت نهاية.
(٢) أي: يتنفل بينهما. تمت هامش (ز).
(٣) من (أ).