الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[مواعظ بالغة]

صفحة 48 - الجزء 1

[مواعظ بالغة]

  قال الوافد: كنا صبياناً فلعبنا، فصرنا شباباً فسكرنا، فصرنا كهولاً فكسلنا، فصرنا شيوخاً فعجزنا وضعفنا، فمتى نعبد ربنا؟

  عطلنا الشباب بالجهالة، وأذهبنا العمر في البطالة، فأين الحجة والدلالة؟

  قال العالم: من غفل في شبابه - ندم في وقت خطابه، الشباب لا يصبر على الصواب، ويندم عند الخطاب، ما أحسن الشباب في المحراب.

  إلى متى العصيان؟ إلى متى متابعة الشيطان؟ إلى متى الجرأة على الرحمن؟ ألنا صبر على مقطَّعات النيران؟ ومجاورة الحنشان؟ ولباس القطران؟ وتهدد مالك الغضبان؟ وضرب الزبانية والأعوان - إلاّ بتزودٍ لذلك اليوم من هذا اليوم، وبتخلص من الهوان واللوم.

  أيها المغرور بشبابه، والمسرور بأصحابه، والمختال في ثيابه - أما تحذر أليم عذابه، وتخاف شديد عقابه.

  كم من وجه صبيح، وخد مليح، وبدن صحيح، ولسان فصيح أصبح في العذاب يصيح، بين أطباق النار لا يستريح.

  كم من شاب ينتظر المشيب - عاجَلَه الموت وحل به النحيب.

  كم من مسرور بشبابه - أخذه الموت من بين أحبابه إلى قبره وترابه.

  أيها الشاب المجهول، إنك إلى التراب منقول، وعلى النعش محمول، وعن أعمالك كلها مسئول.

  مالك لا ترجع؟ مالك لا تفزع؟ مالك لا تخضع؟ مالك لا تخشع.

  آه من يوم يقول فيه المولى: عبدي شبابك فيم أبليته؟ وعمرك فيم أفنيته؟

  فلا تنظر إلى الشباب وطراوته، ولا تغتر بحسنه وملاحته، ولكن انظر إلى صرعته وندامته. ما أحسن الإياب بالشباب، وما أقبح الخضاب لمن قد شاب وما تاب.