الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[طريق الأخيار وطريق الفجار]

صفحة 53 - الجزء 1

  طريق الأخيار وطريق الفجار - الاعتبار

[طريق الأخيار وطريق الفجّار]

  قال الوافد: أسأل الله تعالى سلوك طريقة الأخيار ومجانبة طريقة الفجار.

  قال العالم: إن الله سبحانه قد بين لعباده طريق الهدى، وحذرهم طريق المخاوف والردى، بعث إليهم رسولاً، وجعل القرآن دليلاً، وركَّب فيهم عقولاً، وأمرهم ونهاهم، وخيّرهم ومكّنهم، وأعد ثواباً وعقاباً، فمن أطاع وفاه ثوابه، ومن عصى ضمنه عقابه، فإياك والظلم والعدوان، والإقدام على الزور والبهتان، وعليك بالعدل والإنصاف، والبذل والإلطاف.

  ولا تظلم أحداً، فإن الظالم نادم، والظلم يخرب الديار، ويفرد الجار، ويثر⁣(⁣١) الغبار، ويسخط الملك الجبار، وإن من أعظم المصائب وأكثر الحسرات في تلك الوقفات - المأخوذ بالتبعات، يوم لا شفيع يشفع، ولا دعاء يرفع، ولا عمل ينفع، فكيف ينفع الظالم ندمه؟ وقد زلت به قدمه، وشهدت عليه جوارحه، فيا حسرة الظالم ويا ويحه.

[الاعتبار]

  قال الوافد: كيف يكون الاعتبار؟

  قال العالم: انظر إلى الذين يجمعون - جمعوا كثيراً، وبنوا كبيراً، وأمَّلُوا طويلاً، وعاشوا قليلاً، هل تسمع لهم حساً؟ أو ترى لهم في القبور أنسا؟ سكنوا التراب، واغتربوا عن الأصحاب، ولم يسلموا من العقاب. حملوا أثقالاً، وعاينوا وبالاً، وصارت النار لهم منزلاً ومقيلاً، وعرضت عليهم جهنم بكرة وأصيلاً، لا يطيقون فتيلاً، ولا يسمعون جميلاً، ولا يرجون تحويلاً، ولا يملون عويلاً.

  أين الذين شيدوا العمران؟ وشرفوا البنيان؟ وعانقوا النسوان؟ وفرحوا بالولدان؟ وجمعوا الديوان؟ وملكوا البلدان؟ وغلقوا الأبواب؟ وأقاموا الحُجَّاب؟


(١) قال في القاموس: الثرُّ التفريق والتبديد.