المبحث الأول حياة جامع العلوم ومكانته العلمية
  ففصل بين اسم (كان)، وهو (خالد) وبين خبرها الذي هو (سيفا) بقوله (بها أسد إذ كان)، بمعنى: أن خراسان، أيام ولاية خالد، خير منها أيام ولاية أخيه أسد، وقد وهم ابن جني؛ إذ زعم أن خالدا هذا هو خالد بن الوليد(١)، وإنما هو خالد بن عبد الله القسري، وأسد هو أخوه، كانا قد وليا العراق وخراسان، في العصر الأموي سنة (١٠٦ هـ وعزلا سنة ١٠٩ هـ)(٢). وخالد هذا من ممدوحي الفرزدق.
  وكان جامع العلوم؛ مجلا لعلم النحو، مولعا به، مكبرا لفائدته، إذ وصف النحوي بالشهاب الثاقب؛ حيث روت العلماء عنه، أو له ثلاثة أبيات، يحض فيها على تعلم النحو، وهي:
  أحبب النّحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشّرف
  إنما النّحوي، في مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السّدف
  يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدّرّة من بين الصّدف(٣)
  وقد أثنى على جامع العلوم معاصروه من العلماء الذين نقلوا عنه؛ إذ وصفوه بأجمل الوصف وأبلغه، ومن هؤلاء العلماء الشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ) حيث نقل عنه في تفسيره (مجمع البيان) مشيرا إلى مكانته العلمية، قائلا: «وقال البصير، وهو واحد زماننا في هذا الفن»(٤).
  وذكره مرة أخرى، يصفه ب «الإمام النحوي البصير»، ولا يخفى علينا ما في كلمة (البصير) من التلميح البعيد، والمعنى الطريف؛ لأن جامع العلوم، كان ضريرا، فوصفه الطبرسي بالبصير، لا الضرير، اعترافا بعلميته، وإعظاما لمنزلته، ونجده ثالثة ينقل عنه ويصفه ب «البصير النحوي الملقب بجامع العلوم»(٥).
  هذا، وقد نقل من ترجم لحياته من العلماء الذين جاؤوا بعده بأنه: «في النحو والإعراب كعبة، لها أفاضل العصر سدنة، وللفضل بعد خفائه أسوة حسنة»(٦).
  وأجد أن أكبر ميزة لجامع العلوم، تنبئ عن المكانة العلمية التي استحقها في نفوس معاصريه، ومن بعده هي اعتداده بنفسه، واطمئنانه إلى ما عنده من بضاعة العلم النفيسة؛ فلم ينكر أحد استدراكه على أبي علي الفارسي، وعلى عبد القاهر الجرجاني، وهما هما في طول الباع بهذا الفن! بل قالوا: «وهذا الإمام (أي جامع العلوم) استدرك على أبي علي الفسوي، وعبد القاهر، وله هذه الرتبة»(٧).
  فعبارة: «وله هذه الرتبة» تبين مكانته العلمية، وتعطيه الحق في الرد والمناقشة والاستدراك،
(١) الخصائص ٢: ٣٩٧.
(٢) البداية والنهاية ٩: ٢٣٤، ٢٥٩.
(٣) معجم الأدباء ١٣: ١٦٦، وإنباه الرواة ٢: ٢٤٩، والبلغة ١٥٥.
(٤) مجمع البيان ٤: ٤٧١.
(٥) نفسه ١٠: ٤٠٩.
(٦) معجم الأدباء ١٣: ١٦٥، ونكت الهميان ٢١١، وبغية الوعاة ٢: ١٦٠، وروضات الجنات ٥: ٢٥١.
(٧) معجم الأدباء ١٣: ١٦٥، وبغية الوعاة ٢: ١٦٠.