المبحث الأول حياة جامع العلوم ومكانته العلمية
  وتمكنه من فنه، فهو: الإمام، والجامع، والنحوي والبصير، وجامع العلوم، وواحد الزمان(١).
  غير أن أشهر تلك الألقاب هو لقب (جامع العلوم)(٢). وهو اللقب الذي غلب عليه، وأنا أقطع بهذه الغلبة، يدفعني إليها أمران:
  الأول: أن هذا اللقب كان قد زين صفحة العنوان الأولى، من كتاب الكشف، إذ جاء العنوان هكذا: " كتاب الكشف في نكت المعاني والإعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة، صنعة الشيخ الإمام الأجل نور الدين، جامع العلوم، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي النحوي، تغمده الله برحمته، وألبسه لباس مغفرته» وقد كان نسخ سنة (٥٨٢ هـ)(٣).
  الثاني: أن الشيخ الطبرسي، قد صرح في تفسيره بهذا اللقب حيث قال: «وأخذ عليه (أي على أبي علي الفارسي) البصير النحوي، الملقب بجامع العلوم»(٤)
  لذا لا أجد اختيار لقب (الجامع النحوي) بحسب ما ذهب إليه الدكتور عبد القادر السعدي، عنوانا لرسالته، سديدا.
  وأرى أن إطلاق العلماء عليه لفظ (الجامع النحوي) أو (الجامع) هو من باب الاجتزاء بالمضاف دون المضاف إليه، وبالمضاف إليه دون المضاف؛ وهو من سنن الكلام في لغة العرب، وباب من النحو معروف(٥).
  فإذا قيل: (الجامع النحوي) و (الجامع)، فالأصل فيه: جامع العلوم النحوي، وجامع العلوم على حد قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}(٦)؛ أي: كل الأنام، ومنه مما فيه (أل) قوله تعالى: {وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}(٧). أي: نصف الميراث.
  ومما يدل على علو منزلته العلمية، وشهرته، وبعد صيته، واحترام العلماء إياه أنه بعث ببيت للفرزدق، إلى علماء خراسان يسألهم عن معناه، ثم مبادرة أولئك العلماء، في الإجابة عنه، وشرحه(٨).
  والبيت هو:
  فليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد، إذ كان، سيفا أميرها(٩)
  ومعنى البيت كما شرحه جامع العلوم، في (الجواهر)(١٠):
  «وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا، إذ كان أسد أميرها».
(١) مجمع البيان ٣: ٤٧١.
(٢) إنباه الرواة: ٢: ٢٤٧، والبلغة ١٥٥.
(٣) الجامع النحوي ١: ٧٣ (المقدمة).
(٤) مجمع البيان ١٠: ٤٠٩.
(٥) الجواهر: ١: ٤١، ٢: ٦٥٣.
(٦) ٢٧: سورة النمل ٨٧.
(٧) ٤: سورة النساء ١١.
(٨) معجم الأدباء ١٣: ١٦٤، وبغية الوعاة ٢: ١٦٠.
(٩) البيت من الطويل، لم أجده في ديوان الفرزدق، وهو في الخصائص ٢: ٣٩٧ بلا نسبة، وفي الجواهر ٢: ٧٠٥ وفيه الذي بدل التي.
(١٠) الجواهر ٢: ٧٠٥.