كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الأفعال

صفحة 106 - الجزء 1

  وحبة، وحب.

  [الرابع]: أن يكون لفظ المفرد كلفظ الجمع، سواءا، وذلك قولهم: فلك، للواحد. وفلك للجمع. قال الله تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}⁣(⁣١) فهو مفرد. وقال في الجمع: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}⁣(⁣٢) فقال: وجرين، لأنه جمع. ففلك، في الواحد، مثل: قفل وفي الجمع، مثل: أسد. ويقال: ناقة هجان⁣(⁣٣)، ونوق هجان. فهجان، في المفرد، ككتاب. وهجان، في الجمع، كظراف، وكأنهم شبهوا في المفرد بفعيل، لمّا كان فيه الألف التي هي أخت الياء، في فعيل، فاستجازوا أن يقال: هجان، وهجان، كما قالوا: ظريف، وظراف، وكريم، وكرام. [قال الشاعر]:

  ٥٠ - ... ... كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك⁣(⁣٤)

باب الأفعال

  وهي على ثلاثة أضرب، تنقسم بانقسام الزمان: ماض، وحاضر، ومستقبل.

  اعلم أن هذه المسألة اختلف الناس فيها. فقال سيبويه⁣(⁣٥)، وأصحابه، وجميع النحويين، والمتكلمين [٢٣ / أ] إن الأفعال ثلاثة. وقال قوم من الفلاسفة، إن الأفعال قسمان: إما أن يكون موجودا، وإما أن يكون معدوما. فالموجود في حيز الماضي، والمعدوم في حيز المستقبل⁣(⁣٦). وليس بين هذين شيء، فيسمى حالا. فقولكم حال إذن محال. وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد، نقلا، وعقلا، وإجماعا. أما النقل، فقوله تعالى: {لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ}⁣(⁣٧). فقسم الأزمنة ثلاثة أقسام. فما بين أيدينا: الماضي. وما خلفنا: المستقبل. وما بين ذلك: هو الحال.

  فالحال صحيح. ولأن العرب قالت للماضي: قبل. وللمستقبل: بعد. وللحال: الآن. فلو لا أن الحال صحيحة، وإلا لم يكن لقولها: الآن، معنى، ولأنا إذا قلنا: زيد يصلي، فإنا لا نعني به صلاة ماضية، ولا صلاة مستقبلة، وإنما نعني به أنه يصلي في هذه الحالة، وهو متلبس بهذه الصلاة.

  فقولهم إذن محال، والحال صحيحة، إلا أنه دقّ فلم يفهموه، فنقول: الأفعال ثلاثة: فعل


(١) ٢٦: سورة الشعراء ١١٩.

(٢) ١٠: سورة يونس ٢٢.

(٣) يقال: بعير هجان، وناقة هجان، وأينق هجان. والهجان من الإبل: البيضاء الخالصة اللون. اللسان (هجن) ١٣: ٤٣١.

(٤) البيت من الطويل، لتأبط شرا، وصدره:

أهز به في ندوة الحي عطفه ...

وهو في: ديوانه ١١٥، وديوان الحماسة ١: ٢٢، وأمالي القالي ٢: ١٣٨، والعقد ٣: ٢١ الهجان الأوارك: الإبل ترعى الأراك.

(٥) الكتاب ١: ١٢، وفيه: (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون، ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع).

(٦) التعريفات - للجرجاني ١٣٧، وفيه: (الموجود: هو مبدأ الآثار، ومظهر الأحكام في الخارج. وحدد الحكماء الموجود، بأنه الذي يمكن أن يخبر عنه. والمعدوم بنقيضه، وهو ما لا يمكن أن يخبر عنه).

(٧) ١٩: سورة مريم ٦٤.