باب المبتدأ
  حرب تردّد بينهم بتشاجر ... قد كفرت آباؤها أبناؤها(١)
  فحلماؤها سفهاؤها: مبتدأ، وخبر. وفي (استجلهت) ضمير يعود إلى (أميمة). وأما قوله: كفّرت آباؤها أبناؤها (ف) كذلك. أي: آباء الحرب أبناؤها، أي: شيوخها بمنزلة شبانها، لم تؤثر فيهم الحرب، بل هم على حالتهم، إذ كانوا شبانا. فليس قوله (حلماؤها): بدلا من (أميمة) على تقدير: هيهات ما سفهت أميمة، حلماؤها، فاستجهلت سفهاؤها. وكذلك ليس قوله: آباؤها: مرتفعة بتشاجر، لأن الحمل على الظاهر أولى من حمله على التشاجر، لأن التشاجر مصدر، ولا يفصل بينه وبين ما عمل فيه، لأنه من صلته.
  [وقال الشاعر]:
  ٦٠ - رحلت سميّة غدوة، أجمالها ... غضبى عليك، فما تقول بدالها
  هذا النّهار بدا لها من همّها ... ما بالها بالليل زال زوالها(٢)
  فإن قوله، النهار: ظرف. وكأنه قال: بدا لها من همها في النهار، ما بالها بالليل، يأتيني خيالها زال الله زوالها كما بدا لها في النهار. أي: لا أتانا بالليل خيالها، كما بدا لها في النهار، عن إتيانها إيانا. فقدم، وأخر. وهذا أكثر من أن أحصيه لك. فالأصل: تقديم الفعل، ثم البداية بالمرفوع، ثم المنصوب. فالرفع أول، وما ذكرت مجاز، فثبت أنه وجب للمبتدأ الرفع لما ذكرناه. [فإن قلت]: ما أنكرتم أن يكون المبتدأ [٢٦ / ب] مرفوعا بغير ما ذكرتم، ولكن بما ذكره: الكسائي، والفراء، وهو: أن المبتدأ يرتفع بالخبر، والخبر يرتفع بالمبتدأ(٣)، فهما يترافعان. فإذا قلنا: زيد قام، ارتفع زيد بما يعود إليه من (قام)، وارتفع (قام)، لأنه مبني على زيد.
  [قلت]: إن هذا قول ساقط، وذلك، لأنك، إذا قلت: زيد قائم، وزعمت أنهما يترافعان، فلم كان يرتفع في قولك: زيد أبوه قائم. والعائد إليه من الجملة، ليس بمرفوع. فعلى هذا، الكلام يؤول إلى الفساد، لأن الشيء إذا كان مربوطا بغيره، وغيره مربوط به كان من الدور(٤)، فيكون ساقطا.
  [فإن قلت]: إنكم تقولون في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}(٥)، إن قوله: {أَيًّا ما} منصوب ب {ادْعُوا} و {تَدْعُوا} مجزوم بقوله {أَيًّا ما}، فربطتم أحد الشيئين بصاحبه، فلم أنكرتم منا ذلك في هذه المسألة؟!
(١) البيتان من الكامل، عزاهما ابن منظور، للفرزدق. اللسان (ك ف ر) ٥: ١٤٨، وليسا في ديوانه.
وبلا نسبة في: مجالس ثعلب ٥٧، وكشف المشكل ٢: ٩٩، والمقرب ١: ١٣٠.
(٢) البيتان من الكامل، للأعشى، في: ديوانه ٢٧، والعقد ٥: ٣٠٧.
(٣) ثمار الصناعة ٨٢، والإنصاف (مسألة ٥) ١: ٤٤، ٤٩.
(٤) الدور، عند الحكماء، والمتكلمين، والصوفية: توقف كل من الشيئين على الآخر. وبينوه بقولهم: إذا توقف (أ) على (ب) و (ب) على (أ)، كان (أ) مثلا موقوفا على نفسه، وهذا يستلزم التسلسل، وهو محال. ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون ٤٦٧، ٤٦٨.
(٥) ١٧: سورة الإسراء ١١٠.