باب المبتدأ
  يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ}(١). فوضع الاسمية موضع الفعلية فافهم هذا. ولنعد إلى ما كنا فيه، فنقول: إن المبتدأ مرفوع بالعامل الخاص بالأسماء الذي لا يشاركه فيها غيره بعد أن خرّجنا عليه: تسمع بالمعيدي.
  [فإن قلت]: إذا أثبتم أن هذا المعنى عامل، فلم عمل الرفع دون النصب، والجر؟!.
  [قلت]: إن العامل المعنوي، أول العوامل، لأن المعنى تقرر قبل اللفظ، والرفع أول الحركات، فما أليقه بالأول!. [فإن قلت]: وما الدليل على أن الرفع أول الحركات؟!. [قلت]: لأنه لا يجيء منصوب، ولا مجرور إلا تقدمه مرفوع، نحو قولهم: ضرب زيد عمرا. وضرب زيد غلام بكر. [فإن قلت]: فأنتم تقولون: إن زيدا قائم. والمنصوب هنا قبل المرفوع. [قلت]: هذا كلام جاء مشبّها بفعل مقدم مفعوله على فاعله، وليس كلامنا في امتناع ذا، وإنما كلامنا في الأصول. ولا خلاف في أن الفاعل قبل المفعول. فإذا جاء المفعول مقدما على الفاعل، فذاك من باب التقديم، والتأخير، والمجاز، وغير ذلك. ألا ترى أنه قد جاء قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ}(٢) وقوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} (٦٧) [٢٦ / أ](٣) فهذا كقولك: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}(٤). والتقدير: إنما الآيات عند الله، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون، وما يشعركم، من باب التقديم، والتأخير. قال الفرزدق:
  ٥٧ - وما مثله في النّاس إلّا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه(٥)
  وتقديره: وما حيّ مثله في الناس يقاربه إلا مملّكا أبو أمه أبوه. فقدم، وأخر، وفصل، وقدم المستثنى على المستثنى منه. وقال أيضا:
  ٥٨ - لبسن الفرند الخسروانيّ فوقه ... مشاعر من خزّ العراق المفوّف(٦)
  التقدير: لبسن مشاعر. ويجوز أن يكون تقديره: وفوقه المفوف من خز. ويجوز أن يكون محمولا على موضع قوله: من خز، لأن التقدير: وفوقه الخز المفوف.
  [قال الشاعر]:
  ٥٩ - هيهات ما سفهت أميمة رأيها ... فاستجهلت. حلماؤها سفهاؤها
(١) ٥: سورة المائدة ٦٣.
(٢) ٢: سورة البقرة ١٢٤.
(٣) ٢٠: سورة طه ٦٧.
(٤) ٦: سورة الأنعام ١٠٩.
(٥) البيت من الطويل، عزي للفرزدق، ولم أجده في ديوانه، وهو بهذه النسبة في: أسرار البلاغة ٢٠، وكشف المشكل ٢: ٥٤٤، والانتخاب ١٨٨ (ضمن مجلة المورد / عدد (٣) سنة ١٩٨٣ م).
وبلا نسبة في الخصائص ١: ١٤٦، ٣٢٩، ٢: ٣٩٣.
(٦) البيت من الطويل، في ديوانه ٢: ١١٥.
الفرند: الثوب من الحرير (معرب). المزهر - للسيوطي ١: ٢٨٦. الخسرواني: المنسوب إلى خراسان.
المشاعر: اللباس مما يلي شعر الجسد. المفوف: المخطط.