باب خبر المبتدأ
  يقتضي الفاعل. وتعرية الاسم، لا يقتضي شيئا. والمبتدأ يقتضي الخبر. والخبر يقتضي المبتدأ، فقولنا أولى.
  [قلت]: إنك، لو تشبثت بهذا لأبطلت قواعد العرب، وذلك، لأنه يكون الأمر، مرة محمولا، على اقتضاء العامل معموله، ومرة محمولا على اقتضاء المعمول عامله. ألا ترى قولهم: الأسد الأسد، وقولهم: إياك وزيدا، وقولهم: رأسك والحائط، وقال تعالى: {فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ}(١).
  وقال: {فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ}(٢). فرفع الأوليين، يقتضي عاملا، فإما أن يكون: فالأوليان آخران يقومان مقامهما، وإما أن يكون: فليقم الأوليان. وذلك أكثر من أن أحصيه لك، أعني اقتضاء المعمول العامل، ولعله في كلامهم أكثر من اقتضاء العامل المعمول.
باب خبر المبتدأ
  [قال أبو الفتح]: وهو كل ما أسندته إلى [٢٧ / ب] المبتدأ، أو حدّثت به عنه.
  [قلت]: الخبر مرفوع عندنا بالابتداء. وذهب المبرد(٣)، وابن السري(٤) إلى أن الابتداء قد عمل في المبتدأ. والابتداء، والمبتدأ جميعا رفعا الخبر. قالا: وذلك بمنزلة النار، والقدر، والماء. ألا ترى أن النار تحمي القدر. والنار، والقدر، جميعا تحميان الماء. ونظيره من كلامهم: لم يضرب زيد. لم: عملت في: يضرب، فجزمته، ثم: لم، مع يضرب: رفعا الفاعل. والقول قول سيبويه: من أن الابتداء كما عمل في الاسم، عمل في الخبر(٥)، لأن كل ما كان عاملا في الأول من هذا النحو، عمل في الثاني. ألا ترى أن قولك: ظننت زيدا قائما، لما نصب (ظننت) الأول، نصب الثاني.
  وكذلك: إن زيدا قائم، لما عمل (إنّ) في الأول، عمل في الثاني. وكذلك: كان زيد قائما، لما عمل (كان) في الأول، عمل في الثاني. فكذا هاهنا. فأما قولهم: لم يضرب زيد، ف (لم): ليست من عوامل الأسماء، وإنما هي من عوامل الأفعال، وكان قبل دخولها: يضرب زيد، فعل، وفاعل، عمل الأول في الثاني. فدخلت (لم) في الفعل، وأدى ما اقتضاه. فليس هو مما نحن فيه بشيء.
  [قال المبرد]: لو كان العامل الابتداء، لم يجز أن يدخل عليه عامل آخر. ألا ترى أن [٢٧ / ب] [ظننت(٦)] لما كان عاملا، لم يدخل عليه عامل آخر.
(١) ٤: سورة النساء ١٧٠، وينظر: إعراب القرآن - للنحاس ١: ٤٧٤ - ٤٧٥.
(٢) ٥: سورة المائدة ١٠٧، وينظر: إعراب القرآن - للنحاس ١: ٥٢٦.
(٣) المقتضب ٤: ١٢٦، إذ جاء ما نصه: (فأما رفع المبتدأ فبالابتداء. ومعنى الابتداء: التنبيه، والتعرية عن العوامل غيره ... والابتداء، والمبتدأ يرفعان الخبر).
(٤) الأصول ١: ٦٣، وفيه: (هما مرفوعان أبدا. فالمبتدأ رفع بالابتداء، والخبر رفع بهما).
(٥) الكتاب ٢: ١٢٦، ١٢٧، وقد ذكر الشارح كلام سيبويه بالمعنى، ونصه: (فالمبتدأ: كل اسم ابتدئ ليبنى عليه كلام. والمبتدأ، أو المبني عليه رفع. فالابتداء لا يكون إلا بمبني عليه ... وذلك قولك: عبد الله منطلق، ارتفع عبد الله، لأنه ذكر ليبنى عليه المنطلق، وارتفع المنطلق، لأن المبني على المبتدأ بمنزلته).
(٦) الأصل غير واضح.