باب خبر المبتدأ
  [قلت]: هذا لا يصح من أبي العباس، لأنه سلّم أن الابتداء عامل. ولا يصح من غيره أيضا، لأنا ذكرنا أن الابتداء عامل معنوي. فإذا جاء عامل لفظي، تسلط عليه، وكانت الغلبة له فاعرفه.
  والله أعلم.
  [قال أبو الفتح]: وهو على ضربين: مفرد، وجملة. فإذا كان الخبر مفردا، فهو المبتدأ في المعنى، وهو مرفوع بالمبتدأ. [فإن قلت]: ما الدليل على أن أصل خبر المبتدأ: المفرد. وأن الجملة إذا وقعت خبرا له كانت في تقدير المفرد، وهلا قلتم: إن الجملة أصل كما أن المفرد أصل؟!.
  [قلت]: إن الجملة المركبة من المبتدأ، والخبر، كالجملة من الفعل، والفاعل. فكما أنك إذا قلت: قام زيد. قام: أحد جزءي الجملة. وزيد: أحد جزءيها. فالمبتدأ، والخبر أيضا جزءان [٢٨ / أ].
  فقولك: زيد أبوه قائم. زيد: أحد الجزءين. وأبوه قائم: هو الجزء الثاني، لأن هذا نظير ذاك.
  فقولك: أبوه قائم، في تقدير مفرد. فعلمت أن خبر المبتدأ أصله الإفراد. والمفرد في خبره ضربان: مشتق، وغير مشتق. فالمشتق: هو المشتق من الفعل. ك (قائم) من (قام)، ومضروب، من: (ضرب). تقول: زيد قائم، وزيد مضروب. ففي (قائم) و (مضروب) ضميران يرجعان إلى المبتدأ، لأنهما مشتقان من الفعل. فكما لا بد للفعل من فاعل: مظهرا، أو مضمرا، فكذا ما كان جاريا عليه.
  فإذا قلت: زيد قائم، فتقديره: زيد قائم هو. ألا ترى أنك لو وضعت موضعه ظاهرا، فقلت: زيد قائم أبوه، ارتفع أبوه ب (قائم) فثبت، أنه إذا لم يظهر فاعله كان فيه. فاسم الفاعل متضمن للضمير. ولكنه ضمير مخالف لما يتضمنه الفعل. ألا ترى أنك إذا سميت رجلا ب (قائم) صرفته وأعربته. ولو كان الضمير الذي فيه بمنزلة الضمير الذي في الفعل منعته الصرف، ولم تعربه، وحكيت، لأنك، لو سميت ب (ضرب)، وفيه الضمير، حكيت، لأنه تسمية بالجملة، فتجب حكايته. كما قالوا: برق نحره، وتأبط شرا، وبنو شاب قرناها. وإذا كان كذلك، فقول الفراء(١)، في قوله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}(٢): إنه آن من يئين، سمي الوقت بالفعل: باطل. لأنه لا يخلو: إما أن يكون سمي ب (آن) وفيه ضمير الفاعل، فحينئذ يحكى. أو سمي به وليس فيه ضمير، فيعرب. فليس للبناء وجه، وليس فيه ضمير الفاعل، فما باله مفتوحا؟. فالقول في (الآن) وبنائه، قول أبى علي(٣)، من أنه بني لتضمنه لام التعريف، إذ هو معرفة، وليس فيه لام التعريف، وليس هذا الذي فيه تعريفا. لأن لام التعريف، مثل قولهم: رجل والرجل. ولسنا نعرف (آن)
(١) لم أجده في معاني القرآن. وقد نقل الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٣: ٢٤، أن الفراء يذهب إلى أن (الآن) إنما هو (أأن) كذا وكذا، وأن الألف، واللام دخلت على جهة الحكاية.
(٢) ١٠: سورة يونس ٩١.
(٣) الإنصاف (مسألة ٧١) ٢: ٥٢٣، ونص قول أبي علي: (إنما بني، لأنه حذف منه: الألف، واللام، وضمن الاسم معناهما، وزيدت فيه: ألف، ولام أخريان).