كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 121 - الجزء 1

  [فإن قلت]: فما موضع الظرف المحذوف من قوله: (السّمن منوان بدرهم) لأنه زعم أن التقدير: السمن منوان منه بدرهم وقد عرفنا أن قولهم: بدرهم، هذا الظرف [٣١ / أ] مرفوع الموضع. أعني: بدرهم، لأنه خبر المنوين. فما موضع منه؟! [قلت]: إن (منه) معمول الظرف، منصوب به، وإن تقدم عليه، كقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}⁣(⁣١)، وكلّ يوم له ثوب، وقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ}⁣(⁣٢)، وقوله: {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ}⁣(⁣٣). فقوله: بدرهم، متعلق بكائن في موضع الرفع، خبر لمنوين. ومنه، معمول كائن المتعلق به بدرهم. ويجوز أن يكون في موضع الحال على تقدير: السمن موزون بدرهم، إذا كان في حال المنوين منه، فيكون معمولا لما دل عليه منوان. أي: إذا وزن منوان منه. ولا يكون صفة لدرهم المجرور، ولا حالا منه، لاستحالته في المعنى.

  [قال أبو الفتح]: واعلم أن الظرف، قد يقع خبرا عن المبتدأ، وهو على ضربين: ظرف زمان، وظرف مكان. والمبتدأ على ضربين: جثة، وحدث. فالجثة: ما كان عبارة عن شخص، نحو: زيد وعمرو. والحدث: هو المصدر، نحو: القيام، والقعود. فإذا كان المبتدأ جثة ووقع الظرف خبرا عنه، لم يكن ذلك الظرف إلا من ظروف المكان. تقول: زيد خلفك. فزيد مرفوع بالابتداء. والظرف بعده خبر عنه والتقدير: زيد مستقر خلفك. فحذف اسم الفاعل، تخفيفا، وللعلم به. وأقيم الظرف مقامه، فانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف، وارتفع ذلك الضمير بالظرف، كما كان يرتفع باسم الفاعل. وموضع الظرف رفع بالابتداء. [قلت]: قسم خبر المبتدأ في الأولى إلى المفرد، والجملة. ثم ذكر بعد ذلك حكم الظرف. والظرف، إذا وقع خبرا عن المبتدأ. فإما أن يقدر تقدير: مستقر، أو تقدير: استقر. وكلا التقديرين دخل في التقسيم فما باله أخرج الظرف منها؟! ولكن يقال: إن للظرف أحوالا مختلفة: فحالة يجري فيها مجرى المفرد، وحالة يجري فيها مجرى الجملة، وحالة لا يجرى فيها مجرى ذا، ولا ذا. فالحالة الأولى: زيد خلفك، والتقدير: زيد مستقر خلفك. فحذف (مستقر)، وفيه ضمير يعود إلى زيد، لأن (مستقرا) مشتق: بمنزلة: قائم [٣١ / ب] فلما كان كذلك، وكان فيه ضمير يعود إليه، وقد حذف: انتقل الضمير الذي فيه إلى الظرف، وهو في الظرف مرفوع به، غير محذوف مع اسم الفاعل. فقولنا: زيد خلفك، انتصب: خلفك، على الظرف، ولا بد له من ناصب، وليس بظاهر، فلا بد من إضماره. وإذا كان مضمرا، وكان مشتقا، لأنه ناصب، وجب أن يكون فيه ضمير، ولا يجوز ادعاء حذف الضمير، كحذف اسم الفاعل، لأن هذا الضمير، قد أبدل منه، وأكّد، وجاء عنه الحال، وعطف عليه. فأما الإبدال منه فكقوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ}⁣(⁣٤) فالوزن: مبتدأ.

  ويومئذ متعلق بمضمر، والتقدير: والوزن كائن يومئذ. وكان في (كائن) ضمير. فلما حذف (كائن) انتقل الضمير منه إلى (يومئذ)، وهو مرفوع به. وإنما قلنا هو مرفوع به، لأنه قام مقام


(١) ٥٥: سورة الرحمن ٢٩.

(٢) ٢٥: سورة الفرقان ٢٦.

(٣) ١٨: سورة الكهف ٤٤.

(٤) ٧: سورة الأعراف ٨.