كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 120 - الجزء 1

  قعدت، في تقدير: سواء علي القيام، والقعود. قال: فالقيام مبتدأ، والقعود: عطف عليه، وسواء: خبر مقدم. فعلى هذا، يكون في الآية: الإنذار مبتدأ، وترك الإنذار عطف عليه، وسواء خبر مقدم عليه. وهذا منه |، وجهان، جوزهما في المسألة، وليس ينقض أحدهما صاحبه. وإياك والتقدم عليه، ما أمكن، فإنه بعيد الغور. ألا ترى أنه منع من أن يكون قوله: {أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ}⁣(⁣١) منصوبا بصيام مضمر دلّ عليه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ}⁣(⁣٢)، لأن ذكر الصيام، ذكر المصدر.

  والمصدر موصول، فلا يجوز حذفه، وإبقاء صلته، لأن بعض الاسم، لا يحذف. واحتج في ذلك بما ذكر صاحب الكتاب⁣(⁣٣) من أن [قول الشاعر]:

  ٦٧ - وكلّ أخ مفارقه أخوه ... لعمرو أبيك إلّا الفرقدان⁣(⁣٤)

  إنه لا يكون إلا أن يكون الفرقدان، لأنه لا يحذف الموصول. ذكر هذا في الحجة⁣(⁣٥). ثم ذكر، وهو يرد على أبي إسحاق⁣(⁣٦). أن (أياما)، ينتصب بصيام مضمر دل عليه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} لأن جريه في أول الكلام، دليل على ذلك. كما قال: {لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ}⁣(⁣٧) إن (إذ) محمول على مقت آخر دون ما تقدم، لأنه لا يخلو قوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} إما أن يكون محمولا على قوله {(لَمَقْتُ اللهِ)} أو يكون على قوله {(مَقْتِكُمْ)} أو يكون على آخر فلا يكون محمولا على قوله: {لَمَقْتُ اللهِ} لأن: (مقت الله) مصدر أخبر عنه بقوله: {أَكْبَرُ} فلا يكون (إذ) منه في شيء، لأن الصلة، لا يفصل بينها، وبين موصولها الخبر، لأنه لا يخبر عن الاسم، وقد بقيت منه بقية. ولا يكون محمولا على قوله: {مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، لأنهم مقتوا أنفسهم فيها ودعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يكون ظرفا له. فثبت أنه على آخر، فأضمر لجري ذكره، أولا. أي: مقته إياكم إذ تدعون. كما أن قوله: {أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}⁣(⁣٨) متعلق ب (يكلم)، مضمر، دون قوله: {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ}⁣(⁣٩)، لأن جريه، خارج الصلة، دل على تقديره بعد الصلة.

  وهذا يطول، وفيما ذكرنا كفاية، فدل على أن التقدم عليه لا يجازف فيه، بل يتأمل في كلامه، وسيأتيك من هذا أكثر من هذا.


(١) ٢: سورة البقرة ١٨٤.

(٢) ٢: سورة البقرة ١٨٣.

(٣) الكتاب ٢: ٣٣٤، ٣٣٥.

(٤) البيت من الوافر، لعمرو بن معديكرب الزبيدي، في: ديوانه ١٨١، والكتاب ٢: ٣٣٤، والتحصيل: ٣٦٣، والبيان والتبيين ١: ٢٢٨، والحضرمي بن عامر، في: حماسة البحتري ٢٣٤، والخزانة ٣: ٤٢١، ٤: ٤٢٦، ٤٢٧، ٩: ٣٢١، ٣٢٢.

وبلا نسبة في: معاني القرآن - للأخفش ١: ١١٦، والمقتضب ٤: ٤٠٩، والزاهر ٢: ٤٠٥، وأمالي المرتضى ٢: ٨٨، والإنصاف ١: ٢٦٨، وابن يعيش ٢: ٨٩، والأشموني ٢: ٤٧١، وهمع الهوامع ٣: ٢٧٣.

(٥) الحجة، لأبي علي الفارسي ١: ١٦.

(٦) مجمع البيان ٢: ٢٧٢، إذ ذهب أبو إسحاق إلى أن (أياما) انتصب على الظرفية، وكأن التقدير: كتب عليكم الصيام في أيام، والعامل فيه: الصيام، وتقديره: كتب عليكم أن تصوموا أياما.

(٧) ٤٠: سورة غافر ١٠.

(٨) ٣٣: سورة الأحزاب ٥٣.

(٩) ٤٢: سورة الشورى ٥١.