كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 124 - الجزء 1

  يعدّها⁣(⁣١) في جملة الجملة، ولا في جملة المفرد، بل [أفرده]⁣(⁣٢) بالذكر، فقال: واعلم أن الظرف قد يقع خبرا عن المبتدأ على ما نقلته لك من كلامه، ثم أخذ يبين أن الظرف إذا كان ظرف مكان، وقع خبرا عن الجثة، والحدث جميعا. ولا يقع ظرف الزمان خبرا عن الجثة⁣(⁣٣). لا تقول: زيد يوم الجمعة، أو نحو ذلك، وإنما لم يجز، لأن ظروف الزمان، لا تكون أخبارا عن الجثث، لأنه، لا فائدة فيه، وإنما لم تكن فيه فائدة، لأنك إذا قلت: زيد يوم الجمعة، فليس لتخصيص زيد بيوم الجمعة [مزية]⁣(⁣٤) ليس في يوم الخميس، لأن زيدا في يوم الجمعة بمنزلته يوم الخميس، ويوم السبت.

  [فإن قلت]: فما وجه قولهم: الليلة الهلال⁣(⁣٥)؟!.

  فالهلال مبتدأ، وهو شخص. والليلة ظرف زمان، وهو في موضع خبره، وقد زعمتم [٣٣ / أ] أنه لا يجوز: زيد يوم الجمعة، وهذا بخلافه.

  [قلت]: إن هذا الكلام، محمول على محذوف. وتقديره: الليلة طلوع الهلال. فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. كما قال الله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣(⁣٦) أي: أهل القرية. وفيه وجه ثان، وهو: أن يكون التقدير: الليلة ليلة الهلال. فعلى هذا يكون الوجه الرفع، فيقال: الليلة، إذ لا عامل هناك يعمل في الظرف. وفيه وجه ثالث، وهو: أن يكون الهلال بمعنى: الاستهلال.

  والاستهلال: حدث، فجاز لظرف الزمان أن يكون خبرا عنه [قال الشاعر]:

  ٧٢ - أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم، وتنتجونه

  هيهات، هيهات لما ترجونه ... أربابه نوكى، فلا يحمونه

  ولا تلاقون طعانا دونه⁣(⁣٧)

  فإنه مثل قولهم: الليلة الهلال، لأن قوله: نعم، جثة. وكلّ عام: ظرف زمان. فتقديره: أكلّ عام حدوث نعم، فحذف، كما قلنا.

  وأما إذا كان المبتدأ حدثا، فكلا الظرفين يجوز أن يكون خبرا عنه، كما ذكره أبو الفتح. ثم اعلم، بعد، أن الظرف، إذا تقدم على الاسم، نحو قولك: خلفك زيد، فهو عند سيبويه⁣(⁣٨): في نية


(١) يعني: سيبويه.

(٢) الأصل غير واضح.

(٣) الكتاب ١: ١٣٦، ونصه: (وجميع ظروف الزمان لا تكون ظروفا للجثث). وينظر: قول السيرافي، في هامش الكتاب ١: ٤١٨.

(٤) الأصل غير واضح.

(٥) الكتاب ١: ٤١٨.

(٦) ١٢: سورة يوسف ٨٢.

(٧) من الرجز، لقيس بن حصين بن يزيد الحارثي، في: الخزانة ١: ٤٠٩، ٤١٢، وفيها: أيهات، بدل: هيهات.

وروي الأول بلا نسبة في: الكتاب ١: ١٢٩، والإنصاف ١: ٦٢.

(٨) الكتاب ١: ٤٠٤ - ٤٠٧.