كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 125 - الجزء 1

  التقديم، والتأخير. والتقدير: زيد خلفك. وعند الأخفش⁣(⁣١): يرتفع زيد بالظرف، كما يرتفع بالفعل. وفائدة هذا الخلاف تظهر في قولهم: في داره زيد. يجوز هذا عند سيبويه، لأن تقديره: زيد في داره. وعند الأخفش لا يجوز، لأنه يصير هذا كناية عن غير مذكور، لأن قولهم: في داره زيد: إذا رفع بالظرف على زعم الأخفش، فهو بمنزلة الفعل، والفاعل، كقولك: ذهب زيد. وأنت إذا قلت: ذهب زيد، فقد وقع (ذهب) موقعه. فلا ينوى به التأخير. فكذا: في داره زيد. وقد قالت العرب: (في أكفانه درج الميت)⁣(⁣٢). والتقدير: درج الميت في أكفانه. فكيف يرد أبو الحسن هذا؟! فأما إذا وقع الظرف خبرا عن المبتدأ، أو صفة لموصوف، أو حالا لذي حال، أو صلة لموصول، أو معتمدا على همزة الاستفهام، أو على حرف النفي، أو يكون الواقع بعده أن، الذي في تقدير المصدر، أو المصدر، فقد اتفقا⁣(⁣٣) [٣٣ / ب] على أن الظرف رافع. قال الله تعالى: {فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا}⁣(⁣٤) فأولئك: مبتدأ. ولهم: ظرف. وجزاء الضعف: رفع بالظرف، لا خلاف بينهما، لأن الظرف، وما عمل فيه في موضع الرفع: خبر أولئك. وقال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}⁣(⁣٥). فمن: موصول. وعنده: ظرف. وعلم الكتاب: مرفوع بالظرف، لا خلاف بينهما، لأن الظرف في صلة من. وقال تعالى: {أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}⁣(⁣٦).

  فقوله: شك: رفع بالظرف، لأنه اعتمد على الهمزة، لا خلاف بينهما. وقال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً}⁣(⁣٧) ف (أنّ) مع ما عمل فيه: رفع بالظرف، لأن قبله: (ومن آياته).

  [قال الشاعر]:

  ٧٣ - أحقّا، بني أبناء سلمى بن جندل ... تهدّدكم إيّاي، وسط المجالس⁣(⁣٨)

  فتهددكم: رفع بالظرف. أي: أفي حق تهددكم؟

  كأنه قال: أفي ذا، ذاك؟ قال سيبويه⁣(⁣٩): وسألته، أي: الخليل، عن قولهم: غدا الرحيل. ما بالهم بنوا على (غدا)؟! فزعم: أن الرحيل بمنزلة (أنّ)، لأن (أنّ)، مع ما بعده بمنزلة شيء. ويكون مبنيا على ما قبله. فالمصدر، و (أنّ) في ذلك سيان. وتقول: مررت برجل في الدار أبوه. فترفع (أباه) بالظرف، لأنه جرى وصفا على النكرة. قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ


(١) الإنصاف (مسألة ٦) ١: ٥١.

(٢) التاج (درج) ٥: ٥٦٣، وفيه: (أدرج الميت في الكفن، والقبر: أدخله).

(٣) أي: سيبويه، والأخفش.

(٤) ٣٤: سورة سبأ ٣٧.

(٥) ١٣: سورة الرعد ٤٣.

(٦) ١٤: سورة إبراهيم ١٠.

(٧) ٤١: سورة فصلت ٣٩.

(٨) البيت من الطويل، للأسود بن يعفر، في: ديوانه ٤٢، والكتاب ٣: ١٣٥، والتحصيل ٤٣٠، والأغاني ١٣: ٢٤، والخزانة ١: ٤٠١، ٢: ٩١، ١٠: ٢٧٦ - ٢٨٢.

(٩) الكتاب ٣: ١٣٩، وقد ذكر الشارح كلام سيبويه بالمعنى، ونصه: (يقول الرجل: ما اليوم؟ فتقول: اليوم إنك مرتحل، كأنه قال: في اليوم رحلتك).