كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الفاعل

صفحة 131 - الجزء 1

  زيد، لما قيل: نعم الرجل، قيل: من هو؟ فقيل: زيد، أي هو زيد. واعلم أن للفاعل أحكاما، منها: أن يذكر بعد الفعل، ويذكر بعد الفاعل المفعول. تقول: ضرب زيد عمرا، فتذكر (ضرب) أولا، ثم تذكر الفاعل بعده، ثم تذكر المفعول بعد الفاعل. هذا هو حقيقة الكلام. ثم يجوز تقديم المفعول على الفاعل، لنظم شعر، أو لأنهم يهمهم ذكر المفعول، كما يهمهم ذكر الفاعل. وذلك قولهم: قتل اللّص الأمير، فذكر اللص مهم، كما أن ذكر الأمير كذلك. ويجوز أيضا تقديم المفعول على الفعل، وذلك أيضا لما يهمهم من البداية بذكره. وكل ذلك في نية التأخير، وإن تقدم لفظا.

  ألا ترى أنه يجوز: ضرب غلامه [٣٦ / ب] زيد وغلامه ضرب زيد، فتنصب غلامه، لأنه مفعول، وهو مقدم على الفاعل في اللفظ. والنية به التأخير. ولو لا ذلك، لما صح الكناية قبل الذكر. وإنما جاز: ضرب غلامه زيد، [و]⁣(⁣١) {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} (٦٧)⁣(⁣٢).

  لأن النية به التأخير. والتقدير: أوجس موسى في نفسه خيفة، وضرب زيد غلامه. وإذا كان كذلك، فقول من قال في قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}⁣(⁣٣)، أن الضمير، أعني: هما يعودان إلى الملكين. وقوله {فَيَتَعَلَّمُونَ} معطوف على قوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} قول صحيح⁣(⁣٤). ولا وجه لرد أبي إسحاق⁣(⁣٥) عليه، حين قال: إن هذا الكلام يوجب تقديم الإضمار على الظاهر، لأنه يقدر: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما} بجنب قوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما}. قال وهذا لا يجوز. وهذا الذي ذكره أبو إسحاق، لو لزم هذا القائل، للزم في قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} لأن هذا أيضا إضمار قبل الذكر، ومع هذا جاز، لأن النية به التأخير، وللفظ حق، وإن كان للمعنى حق، فكلا الحقين مرعي.

  وأجمعوا على جواز: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ}⁣(⁣٦) و {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها}⁣(⁣٧) فقدموا المفعول هاهنا، ومرتبته بعد الفاعل، [وعلى]⁣(⁣٨) هذا وجب تقديمه على الفاعل. ومن أحكام الفاعل، أيضا، ما قال أبو الفتح: فإن كان الفاعل مؤنثا، جئت بعلامة التأنيث في الفعل. تقول قامت هند، وقعدت جمل.

  اعلم أن المؤنث على ثلاثة أضرب: مؤنث حقيقي، ومؤنث بعلامة، ومؤنث من حيث السماع بغير علامة. فالمؤنث الحقيقي: كل ما كان بإزائه ذكر، نحو: المرأة، والأتان، وما أشبههما. ألا ترى أن بإزائهما الذكر، وهو: الرجل، والحمار. فإذا كان هكذا، ولم يفصل بين


(١) زيادة يقتضيها سياق العطف.

(٢) ٢٠: سورة طه ٦٧.

(٣) ٢: سورة البقرة ١٠٢.

(٤) وهو قول الفراء. معاني القرآن - للفراء ١: ٦٤.

(٥) وإنما أنكر ذلك أبو إسحاق الزجاج، لأن قوله: (منهما) دليل على التعلم من الملكين، ولذلك قال: (الأجود عندي أن يكون: {وَلَقَدْ عَلِمُوا} للملكين، لأنهما أولى بأن يعلموا. وقال: (علموا) كما يقال: الزيدان قاموا). ينظر: مجمع البيان ١: ١٧٢، وتفسير القرطبي ١: ٥٦.

(٦) ٢: سورة البقرة ١٢٤.

(٧) ٦: سورة الأنعام ١٥٨.

(٨) الأصل غير واضح.