باب المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه،
  إلى ما كنا فيه، فنقول: جمع التكسير يجوز فيه التذكير والتأنيث. فالتذكير، حملا على لفظ الجمع.
  والتأنيث، حملا على لفظ الجماعة. قال الله تعالى: {قالَتِ الْأَعْرابُ}(١)، أي جماعة الإعراب.
  وقال تعالى: {وَقالَ نِسْوَةٌ}(٢). أي: جمع نسوة.
باب المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه،
  وهو المفعول الذي لم يسم فاعله
  والمفعول في هذا الباب، يرتفع، كما يرتفع الفاعل، لأن الفعل الذي قبله حديث عنه، ومسند إليه، ومقدم عليه. فقولك: ضرب زيد، بمنزلة: قام زيد. لأن الفعل قبل كل واحد منهما، بمنزلته قبل صاحبه، في ارتفاع ما بعده به، وفي كون كل واحد منهما محدّثا عنه.
  والأصل في هذا الباب أن يضم فاء الفعل، ويكسر عينه، في الثلاثي، ويحذف الفاعل، ويرفع المفعول. فيقال في: ضرب زيد عمرا: ضرب عمرو. هذا في الماضي. وفي المستقبل: يضم أول المستقبل، ويفتح عينه، فيقال في: يضرب زيد عمرا: يضرب عمرو. وعلى هذا تقول في الرباعي، نحو: دحرج، دحرج، فتضم الأول، وتكسر الثالث. وفي أكرم: أكرم، وفي اقتطع: اقتطع، بضم الهمزة، تبعا لضم التاء. وإذا كان كذلك، قلت في اختار: أختير، بضم الهمزة، لأن أصله: أختير.
  فتراعي في هذا الباب، الأصل. ألا ترى أنهم قالوا في قولهم: أغزي، بضم الهمزة، لأن أصله: أغزوي.
  وقالوا: إرموا، لأن أصله: أرميوا. فكذا في اختار: أختير، بضم الهمزة، لأن التاء مضمومة في الأصل.
  واعلم أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعول واحد، رفعته [٣٨ / ب] وأقمته مقام الفاعل، كما تقدم. فإن كان متعديا إلى مفعولين، رفعت الأول منهما، وبقّيت الثاني منصوبا، كما كان، لأنك إنما ترفع الأول، لإقامتك إياه مقام الفاعل، فيكفي رفعه. وكذلك إن كان متعديا إلى ثلاثة مفعولين، يرفع الأول منهم، ويبقي الباقي كما كان. تقول في: أعطيت زيدا درهما: أعطي زيد درهما. وفي: أعلمت زيدا عمرا خير الناس: أعلم زيد عمرا خير الناس. فإن كان الفعل لازما، لم تصغ منه (فعل). وهو معنى قوله: لم يجز إلا أن تذكر الفاعل، ف (أنّ) مع ما بعده، في تقدير المصدر، مرفوع بفعله، وهو قوله: لم يجز. وتقديره: لم يجز ترك ذكر الفاعل. لا تقول في: جلس زيد: جلس. ولا في: قام زيد: قيم. إلا إذا كان مع هذا الفعل مصدر، أو حرف جر. تقول في: جلس زيد جلوسا حسنا: جلس جلوس حسن. وفي: قام زيد في هذا المكان: قيم في هذا المكان. ولا يجوز: جلس جلوس، لأنه لا فائدة في ذكر جلوس، لأن (جلس)، يدل على (جلوس). والكلام مبني على الفائدة. فإن قلت: جلس الجلوس الذي تعلم، أو: جلس جلوس حسن، جاز، لأنك، لما وصفته، فقد أفدت بذكر الوصف ما لم يكن الفعل دليلا عليه. [فإن قلت]: فقد قال الله تعالى: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً}(٣) قراءة أهل مكة(٤) (نزل) على صيغة: (ضرب). وارتفع الملائكة ب (نزل)، وقد
(١) ٤٩: سورة الحجرات ١٤.
(٢) ١٢: سورة يوسف ٣٠.
(٣) ٢٥: سورة الفرقان ٢٥.
(٤) بل قرأها: (الخفاف، وعبد الوهاب) كلاهما عن أبي عمرو. المحتسب ٢: ١٢١، وتفسير القرطبي ١٣: ٢٤، =