كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الفاعل

صفحة 134 - الجزء 1

  {الَّذِينَ كَفَرُوا}: هم [المفعولين]⁣(⁣١). ويكون (أنّ) مع اسمه، وخبره، بدلا منه، فكأنه قال: لا تحسبن أنما نملي للكافرين، خير لأنفسهم، فتحمل (أنّ) مع اسمه، وخبره، فلا يلزم ما ألزمه أبو علي⁣(⁣٢)، من أن (أنّ)، لو كان بدلا، لوجب نصب خير. قال: لأنه يصير التقدير: لا تحسبن إملاءنا خيرا. فمن أين لك هذا الإلزام، وقد ذكرت في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (٣٥)⁣(⁣٣) رادا على من زعم أن: {أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}: بدل، من (أنّ) الأولى.

  وزعمت أن (أنّ) الأولى، لم تتم بخبرها، فكيف يبدل عنها؟ فلم تجز إبدال (أنّ) الثانية، من (أنّ) الأولى، لأنها لم تتم، فكيف ألزمت أبا إسحاق هاهنا أن يجعل (أنّ) مع اسمه البدل، دون خبرها، أو يتم (أنّ) باسمها اسما تاما. وأين قولهم جميعا: إن (أنّ) مع الاسم، والخبر، في تقدير المصدر، ولم يقولوا: إن (أنّ) مع، اسمه في تقدير المصدر. فما هذا الازدحام منك، ومن غيرك على مثل ذلك الشيخ⁣(⁣٤). وحين قيل لك⁣(⁣٥): إن (أنّ) الثانية، في قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [٣٨ / أ] بدل من الأولى، هو قول سيبويه⁣(⁣٦). فقلت: فإذن يكون الكلام على حذف خبر (إنّ) الأولى، لأن حذف خبر (إنّ) و (أنّ) جاء. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ}⁣(⁣٧) ولم يذكر: معذبون. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}⁣(⁣٨) ولم يذكر: في النار [قال الشاعر]:

  ٨٣ - إنّ محلا، وانّ مرتحلا ... وإنّ في السّفر، إذ مضوا، مهلا⁣(⁣٩)

  فحذف الخبر. وليس هذا كقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ}⁣(⁣١٠) لأن هناك الواو بمعنى: مع. أي: إن المصدقين مع المصدقات، كقولهم: كل رجل وضيعته. وهذا شيء قد عرض. ولنعد


(١) في الأصل: (المفعولون)، وإنما هي خبر كان، و (هم): ضمير فصل، ولم يرد في القرآن الكريم غير هذا الأسلوب.

(٢) مجمع البيان ٢: ٥٤٣.

(٣) ٢٣: سورة المؤمنون ٣٥. وقد انحصرت آراء النحويين في إعراب (أن) الثانية في أربعة أقوال هي:

الأول: قول سيبويه، وهو أن تكون (أن) الثانية: بدلا.

الثاني: قول الفراء، والجرمي، والمبرد، وهو أن تكون: مكررة للتوكيد.

الثالث: قول أبي الحسن الأخفش، واختاره أبو علي الفارسي، وهو أن تكون: مرتفعة بالظرف المقدر.

الرابع: قول الزجاج، وهو: أن يحمل (يعد) على (يقول) فتكسر الهمزة، وينحسر الإشكال. ينظر: الكتاب ٣: ١٢٣، ومعاني القرآن - للفراء ٢: ٢٣٤، ومجمع البيان ٧: ١٠٥، ١٠٦، وتفسير القرطبي ١٢: ١٢٢.

(٤) عنى به: أبا إسحاق.

(٥) المخاطب: أبو علي الفارسي.

(٦) الكتاب ٣: ١٣٢.

(٧) ٤١: سورة فصلت: ٤١.

(٨) ٢٢: سورة الحج ٢٥.

(٩) البيت من المنسرح، للأعشى، في: ديوانه ٢٣٣، والكتاب ٢: ١٤١، والتحصيل ٢٨٤، والمقتضب ٤: ١٣٠، والخصائص ٢: ٣٧٣، وابن يعيش ١: ١٠٣، والمغني ١: ٨٢، ٢٣٩، ٢: ٦٠٩ - ٦٣١، والخزانة ٩: ٢٢٧، ١٠: ٤٥٢ - ٤٥٩.

وبلا نسبة في: شفاء العليل ١: ٣٥٥.

(١٠) ٥٧: سورة الحديد ١٨.