كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 139 - الجزء 1

  خبر كان. والمضمر، لا يكون حالا. فثبت أن قولك: كان زيد قائما، إنما هو بمنزلة قولك: ضرب زيد عمرا. فالاسم مشبه بالفاعل، والخبر مشبه بالمفعول، لمّا جاء بعد الفعل، والفاعل، كمجيء المفعول بعدهما.

  وأما (ليس): فإن سيبويه⁣(⁣١)، وأصحابه، زعموا أنه فعل. وأبو علي، خالفهم، فزعم: أنه حرف⁣(⁣٢). وقال: لأنه لا يتصرف، وليس في الأفعال، ما هو على صيغته، وأنه لا يدل على ما يدل عليه الأفعال. وإنما (ليس): لنفي الحال، بمنزلة (ما) لا فرق بينهما. قال: ولا يدل قولك: لست، ولسنا، ولست، على أنه فعل، لأنه مشبه بالفعل⁣(⁣٣).

  نقول: إن (ليس): فعل، وأصله: ليس، على وزن: علم، وصيد، من حيث إن آخره مفتوح، ولكنه، لما لم يتصرف ألزم عينه الإسكان، ليدل [٤٠ / ب]: ذلك على جموده، وكونه غير متصرف. ولو كان متصرفا، لقيل: لاس، كما قيل في: هيب: هاب. ولأنك، تقول: لست، ولستم، وليسوا. ولو كانت بمنزلة ما لم يتصل بها هذه المضمرات على حد ما يتصل بالأفعال.

  ولأن: ليس، بمنزلة: كان، في جواز تقديم الخبر عليه. كما لا تقول: قائما ما زيد. فثبت بهذا أنه فعل. وإن منعت من تقدم الخبر عليه، حاججناك⁣(⁣٤)، بمثل ما حاججت به غيرك، فنقول لك: الدليل على جواز تقديم خبر ليس، قوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}⁣(⁣٥). ففي ليس ضمير العذاب، مرتفعا، بكونه اسما له. وقوله: (مصروفا)، خبر. ويوم يأتيهم: منصوب بمصروف، وقدمه على ليس: فجاز تقديم الخبر عليه، لما جاز تقديم معموله عليه، لأن معمول الخبر، يقع حيث يجوز وقوع الخبر. ألا ترى أنك حاججت غيرك، بجواز تقديم خبر المبتدأ بقول [الشاعر] وهو مطلع القصيدة:

  ٨٧ - كلا يومي طوالة، وصل أروى ... ظنون، آن مطّرح الظّنون⁣(⁣٦)

  ف (وصل أروى): مبتدأ. و (ظنون): خبره. و (كلا يومي): ظرف ل (ظنون) وقدمه على (وصل أروى). كما أن {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} ظرف معمول لمصروف، مقدم على (ليس). فليس لك أن تقول: إن {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} ظرف، فتكتفي بالمعنى، كقولهم: أكل يوم لك ثوب [لأن]: كلا ظرف أيضا، ومع ذلك حاججت به غيرك، فنحن أيضا نحاجك بهذا، على أنك قد كررت هذه المسألة.


(١) الكتاب ١: ٤٦، وفيه: (فأما ليس فإنه لا يكون فيها ذلك (أي: التصرف)، لأنها وضعت موضعا واحدا، ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الآخر).

(٢) ابن عقيل ١: ٢٦٢.

(٣) المقتصد ١: ٤٠٧ - ٤٠٩، ففيه نقل عبد القاهر الجرجاني مجمل رأي أبي علي في: (ليس).

(٤) الخطاب لأبي علي.

(٥) ١١: سورة هود ٨.

(٦) البيت من الوافر، للشماخ، في: ديوانه ٣١٩، والمقتصد ١: ٣٠٢، والإنصاف ١: ٦٧، وشرح اللمع - لابن برهان ١: ٥٧، واللسان (طول) ١١: ٤١٥.

طوالة: اسم بئر. ظنون: القليلة الماء. كنى بطوالة، ومائها القليل عن: وصل أروى الضعيف.