كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 140 - الجزء 1

  أعني: إعمال المعنى في الظرف، تقدم الظرف، أو تأخر، في غير موضع من كتبك، حتى بلغ الأمر منك، رحمك الله، إلى أنك قلت في قوله تعالى: {وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ}⁣(⁣١): أن ما قبل (إلا) وهو: اتبعك، يعمل في: (بادي الرأي)، لأنه ظرف، ولو كان غير ذلك، من سائر الأسماء، لم يجز، ثم ناقضت هذا، فوصلت إلى موضع آخر، ولم تجز إعمال ما قبل (إلا) فيما بعده، وإن كان ظرفا. والحرب قد تكون سجالا⁣(⁣٢)، فلا كلّ ذاك على أبي إسحاق، فربما يكون عليك. وإذا حاججت غيرك [٤٤ / أ] ب (كلا يومي طوالة) حاجك من بعدك، غيرك، بقوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}. فكيف تزعم أن: (ليس): حرف، وحين كان يقرأ عليك الكتاب، أو كنت تقرؤه، فبلغت إلى قوله: (وتقول: زيدا لست مثله). أمرت غيرك إلحاق قولك بالحاشية: هذا يدل على أنّ (ليس): فعل⁣(⁣٣)، لأنه صار كقولك: زيدا ضربت أخاه! فثبت أنّ (ليس): فعل يدل على نفي الحال، وألزم عينه الإسكان.

  [فإن قلت]: فإذا كان لنفي الحال، فالحال، إنما يدل عليه قولك: يفعل، فلم عبر عن الحال، بلفظ الماضي؟. [قلت]: إن لفظ الماضي، أخف من (يفعل). وهذا فعل لا تجيء منه إلا هذه الصيغة، لأنه لا يدل إلا على الحال. فاختاروا من الأفعال أخف الصيغ، لأنه لا يشتبه، ولا يلتبس بشيء. فقولنا، ليس: فعل. ولا يكون حرفا. وإن لم يكن متصرفا، فهو بمنزلة: عسى، لأن عسى: فعل، ولا يتصرف، فكذا هذا. ومعنى قوله: مما يكون فيه دلالة، على الزمان، يعني به: عسى، وكاد، وكرب، وأوشك، ونعم، وبئس. لأن هذه أفعال تدل على الزمان، وتدخل على المبتدأ، والخبر، سوى: نعم، وبئس، إلا أنها تلزم طريقة واحدة. ولعسى، وكاد، وأخواته، باب سيذكر فيه. ثم ذكر من بعد ذلك، أنه إذا اجتمع معرفة ونكرة، فالمعرفة اسم كان، والنكرة خبره.

  كقولك: كان زيد قائما. وإذا اجتمع معرفتان، قال: فأنت مخير، إن شئت قلت: كان زيد أخاك، وإن شئت قلت: كان أخوك زيدا. والحقيقة في هذا، أن اسم كان في الأصل، مبتدأ، وإنما يبتدأ باسم، كان المتكلم في معرفته، والمخاطب سيين، وإنما يذكر المبتدأ، ليبنى عليه الخبر الذي يستفيده المخاطب من المتكلم. فالإخبار عن المبتدأ، إنما يكون بشيء لم يعرفه المخاطب، والمتكلم يعرفه. فأنت إذا قلت: زيد أخوك. إن ذكرته لمن يعرف زيدا، ولا يعرف أنه أخوه، فلا بد، وأن تقول: زيد أخوك. وإن عرف الأخ، ولم يعرف أن اسمه زيد، قلت: أخوك زيد. فالكلام يعقد للفائدة. [٤١ / ب]: فذكر الخبر، إنما يكون ليستفيد المخاطب. فإذا لم يستفد المخاطب، لم يجز. ولهذا المعنى، قالوا، لو قلت: أحق الناس بمال أبيه ابنه، أو أحق الناس بمال ابنه أبوه، لم يجز هاتان المسألتان، لأنك، بذكرك ابنه في الأولى، وبذكرك أباه في الثانية، لم تفد شيئا، لم يتضمنه


(١) ١١: سورة هود ٢٧.

(٢) السجل: الدلو. والمساجلة أن يستقي ساقيان، فيخرج كل واحد منهما في سجله مثل ما يخرج الآخر، فأيهما نكل فقد غلب. فضربته العرب مثلا للمفاخرة، ومنه: (الحرب سجال) اللسان (سجل) ١١: ٣٢٦.

(٣) المقتصد ١: ٤٠٧، ٤٠٨.