باب كان وأخواتها
  الخسف. فإذا احتمل الوجهين، لم يكن لرد الأصمعي(١)، وتغليطه ذا الرمة وجه(٢). وأما: ما دام زيد قائما، فالأصل فيه، إذا قلت: اجلس ما دام زيد جالسا، أن تقول: إن تقديره: اجلس مدة دوام جلوس زيد. فما دام: مصدرية، موضوع موضع دوام. وحذف المضاف منه، وهو: المدة.
  والمصدر لا يتقدم عليه معموله بتة. لا يجوز في: سرني قيامك يوم الجمعة، أن تقول: سرني يوم الجمعة قيامك، إذا علقت الظرف بالقيام.
  [الثالث]: هو: ليس: تقول: ليس زيد قائما، وليس قائما زيد. فعلى مذهب من قال: إن ليس فعل(٣)، يجوز: قائما ليس زيد. وعلى مذهب من قال: إن (ليس) حرف، لا يجوز تقدم الخبر عليه. وقد ذكرنا بطلان ذلك، بالآية التي لا يمكن الانفصال عنها، ولو أمكنني أن أسقيك دفعة واحدة، ما هو حاضري، لسقيتك، والله الموفق للصواب.
  [قال أبو الفتح]: وتكون (كان) دالة على الحدث، فتستغني عن الخبر المنصوب. تقول: كان زيد، أي: قد حدث، ووقع. كما تقول: أنا، مذ كنت، صديقك، أي: أنا صديقك، مذ كنت، وخلقت(٤). [قال الشاعر]:
  ٩١ - إذا كان الشّتاء، فأدفئوني ... فإنّ الشيخ يهدمه الشّتاء(٥)
  أي إذا حدث الشتاء، ووقع.
  [قلت]: اعلم أن (كان) على أربعة أقسام:
  [الأول]: أن تكون ناقصة. ولها سيق الباب. تقول: كان زيد قائما.
  [الثاني]: أن تكون تامة، فتكون ملتقية بالاسم، دون الخبر، كقولك: قد كان زيد. قال الله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ}(٦). أي: وإن وقع ذو عسرة ومنه [٤٣ / أ] قراءة من قرأ {إِلَّا أَنْ
(١) هو: عبد الملك بن قريب بن أصمع، الباهلي (ت ٢١٦ هـ). كان صاحب: النحو، واللغة، والغريب، والأخبار، روى عن: أبي عمرو بن العلاء، وقرة بن خالد، ونافع بن أبي نعيم. روى عنه: ابن أخيه، وأبو عبيد بن القاسم، والسجستاني، والرياشي، واليزيدي. ينظر: طبقات النحويين واللغويين ١٦٧ - ١٧٤، ونزهة الألباء ٩٠ - ١٠١.
(٢) خطأ: الأصمعي، وأبو عمرو بن العلاء، والجرمي، ذا الرمة في هذا البيت، لأنه أدخل حرف الاستثناء (إلا) على خبر (تنفك). وقال الأصمعي، والمازني، وابن جني: ولا يستقيم له إلا أن يجعل (إلا) زائدة.
وروي أن ذا الرمة لما نبه إلى ذلك فطن، فقال: إنما قلت: إلا مناخة، أي شخصا. التحصيل ٣٩٦، والإنصاف ١: ١٥٧ (ه)، وابن يعيش ٧: ١٠٧.
(٣) الإنصاف (مسألة ١٨) ١: ١٦٠، وهذه مسألة خلافية، على ما فيها من آراء في: فعلية ليس، أو حرفيتها، فالكوفيون لم يجيزوا تقديم خبرها عليها، والبصريون أجازوه. وينظر: ابن عقيل ١: ٢٦٣.
(٤) الكتاب ١: ٤٦ وفيه: (وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه. تقول: قد كان عبد الله، أي: قد خلق عبد الله، وقد كان الأمر، أي: وقع الأمر).
(٥) البيت من الوافر، للربيع بن ضبع الفزاري، في: حماسة البحتري ٣٢٢، وأمالي المرتضى ١: ٢٥٥، وبلا نسبة في: اللمع في العربية ٩٩، وشرح شذور الذهب ٣٥٤، واللسان (كون) ١٣: ٣٦٥.
(٦) ٢: سورة البقرة ٢٨٠.