باب كان وأخواتها
  زيد. قال الله تعالى: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(١). فقدم المنصوب على المرفوع. وهو: (حقا). فأما: قائما كان زيد، فالكوفي يأباه، والحجة عليه قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ}(٢). ف (تستهزئون) في موضع النصب، خبر (كنتم). وقوله {أَبِاللهِ} متعلق ب {تَسْتَهْزِؤُنَ}. وتقدير الآية: أتستهزئون بالله وآياته ورسوله كنتم. فلما جاز تقديم معمول تستهزئون على كنتم، دل على جواز تقديم تستهزئون على كنتم، وأوضح منه قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ}(٣). فأين خبر كنتم، وقدمه عليه وما: صلة زائدة. وفي الأخرى: {أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ}(٤). وقال في قصة عيسى، #: {أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ}(٥) فأينما: خبر كنت، وقد قدمه عليه.
  [الثاني]: ما في أوله: (ما) وهو: ما زال، وما انفك، وما برح، وما فتئ، وما دام. يجوز: ما زال قائما زيد. ولا يجوز: قائما ما زال زيد، وإنما لم يجز: قائما ما زال زيد، لأن (ما): حرف نفي، وزال: نفي، فدخل النفي على النفي، فصار إثباتا. وإذا كان (ما) نفيا، لم يجز فيه تقديم ما في حيزه عليه. ألا ترى أنه لا يجوز: زيدا ما ضربت. على تقدير: ما ضربت زيدا، لأن النفي كالاستفهام. فكما لا يتقدم ما في حيز الاستفهام عليه، فكذا في النفي. فقولك: ما زال زيد قائما، وما انفك أخوك سائرا، وما فتئ، وما برح، كل هذا نفي دخل على النفي، فصار إثباتا. والدليل على صحة ذلك، أنه لا يجوز: ما زال زيد إلا قائما. ولو كان معنى ما: الذي، هو النفي، باقيا، لجاز: ما زال زيد إلا قائما، كما جاء ما زيد إلا قائم. [وعليه](٦) فقد أنشد [ذو الرمة]:
  ٩٠ - حراجيج ما تنفكّ الّا مناخة ... على الخسف، أو نرمي بها بلدا قفرا(٧)
  فقوله: ما تنفك، أي: ما تنفك الحراجيج. فاسمها مضمر. ومناخة: خبرها. فأدخل (إلا) على الخبر. وقد زعمت(٨): أنه لا يجوز [قلت: إن] أبا علي ذكر أن قوله: تنفك في البيت، معناه: تنفصل(٩). يقال: انفك، ينفك: إذا انفصل. أي: ما تنفصل من موضع إلى موضع. وليس هو الانفكاك الذي هو الزوال. قال(١٠): ويجوز أن يكون (على الخسف). الخبر. أي: ما تنفك على
(١) ٣٠: سورة الروم ٤٧.
(٢) ٩: سورة التوبة ٦٥.
(٣) ٥٧: سورة الحديد ٤.
(٤) ٥٨: سورة المجادلة ٧.
(٥) ١٩: سورة مريم ٣١.
(٦) الأصل غير واضح.
(٧) البيت من الطويل، لذي الرمة. في: ديوانه ١٧٣، والكتاب ٣: ٤٨، والتحصيل ٣٩٦، ومعاني القرآن للفراء ٣: ٢٨١، وابن يعيش ٧: ١٠٦، وشفاء العليل ١: ٣١٨، وهمع الهوامع ٢: ٩٧، ٣: ٢٧٤.
وبلا نسبة في: الجمل ١: ٣٩٨، والإنصاف ١: ١٥٦، والمغني ١: ٧٣، وشرح نهج البلاغة ٧: ٢٦٣، وتفسير القرطبي ٢٠: ١٤١، والخزانة ٩: ٢٤٧، ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٥.
(٨) المخاطب هو: الكوفي.
(٩) معاني القرآن - للفراء ٣: ٢٨١، وفيه: (فلم يدخل فيها أي: في (تنفك) إلا (إلا) وهو ينوي بها التمام، وخلاف يزال)، وهذا قول صراح بتمام تنفك.
(١٠) أي: أبو علي. ينظر: الخزانة ٥: ٢٥٣.