باب كان وأخواتها
  (كان) لا يوجب التنقل، و (صار) يوجب التنقل. تقول: صار زيد [غنيا](١) ولم يكن قبل ذلك بهذه الصفة. فمما جاء من ذلك، قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}(٢) أي: من صار الآن في المهد. ولم يريدوا أن يخبروا بشيء كان قد مضى، لأنه ليس بموضع التعجب، إذ كل أحد كان صبيا في المهد، فلا يجوز أن يكون لما مضى. و «قال الشاعر]:
  ١٠٠ - والرّأس قد كان له شكير(٣)
  أي: صار. ألا ترى أنه لا يقال: قد كان فيما مضى شكير، لأن الشكير، إنما يظهر في الحال دون ما مضى، فصح هذا. [والقسم الآخر]: أن تكون كان زائدة [٤٥ / أ] خروجها كسقوطها.
  وأنشد في ذلك:
  ١٠١ - ... ... على كان المسوّمة العراب(٤)
  أي: على المسومة. و (كان) هذه، لا تعمل شيئا، لأنها زائدة. وإذا كان كذلك فقول محمد بن يزيد في قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً}(٥): أن (كان) زائدة، ليس بالمتجه، لأنه نصب (فاحشة) ولو كان زائدة لم تعمل. [فإن قلت]: فقد أنشد:
  ١٠٢ - فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام(٦)
  وحكم بزيادة (كانوا) وقد أعملها في الاسم، وإن لم يكن قد أعملها في الخبر. [قلت]: إن الاسم مشبه بالفاعل. والفاعل كالجزء من الفعل على ما تقدم. ألا ترى أنهم قالوا: زيد ظننت قائم. فألغوا الفعل مع الفاعل، لما كان كالجزء منه: وكذا (كانوا) هاهنا، ألغي، وإن اتصل به الاسم. على أنّ الواو في (كانوا) يجوز أن يكون تأكيدا للضمير في الظرف، وهو: (لنا)، إذ هو صفة للمجرور، ويجوز أن يكون خبر (كانوا)، مقدما. والتقدير: وجيران كانوا لنا. ف (لنا): خبر مقدم. ولا ينوى به التأخير، لأنه في موضعه، فليس إعماله في الفاعل كإعماله في الخبر، فافهمه.
  [قال أبو الفتح]: وأخبار (كان) وأخواتها كأخبار المبتدأ من المفرد، والجملة، والظرف.
  تقول في المفرد: كان زيد قائما. وفي الجملة: كان زيد وجهه حسن. وفي الظرف: كان زيد في
(١) الأصل غير واضح.
(٢) ١٩: سورة مريم ٢٩.
(٣) من الرجز. لم أهتد إلى قائله. وشكير الرأس: شعره. اللسان (شكر) ٤: ٤٢٦.
(٤) البيت من الوافر، وصدره:
سراة بني بكر تسامى ...
وهو بلا نسبة في: ابن يعيش ٧: ٩٨، واللسان (كون) ١٣: ٣٧٠، وشفاء العليل ١: ٣٢٢، والخزانة ٩: ٢٠٧، ٢١٠، ١٠: ١٨٧.
(٥) ٤: سورة النساء ٢٢. المقتضب ٤: ١١٧ (ه)، ومجمع البيان ٣: ٢٦.
(٦) البيت من الوافر، للفرزدق، في ديوانه ٢: ٥٥٦، والكتاب ٢: ١٥٣، والتحصيل ٢٩٠، والمقتضب ٤: ١١٦، واللسان (كون) ٢: ٣٧٠، والخزانة ٩: ٢١٧، ٢٢١، ٢٢٢.
وبلا نسبة في: ابن عقيل ١: ٢٨٩، والجمل ١: ٤٠٩، والمغني ١: ٢٨٧.