كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 151 - الجزء 1

  ١١٣ - كشحا طوى من بلد مختارا ... من يأسة اليائس أو حذارا⁣(⁣١)

  فحمل قوله: حذارا، على موضع قوله: من يأسة، أي: طوى كشحا من اليأس، ومن حذار، أي: لأجل اليأس، والحذار. وأنشد [قول الشاعر]:

  ١١٤ - فإن أنت لم يصدقك علمك فانتسب ... لعلّك تهديك القرون الأوائل

  فإن لم تجد من دون عدنان والدا ... ودون معدّ، فلتزعك العواذل⁣(⁣٢)

  فنصب قوله: ودون معد، على موضع قوله: من دون عدنان. وقد قال أبو علي في قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ}⁣(⁣٣): إن نصب (يوم القيامة)، محمول على موضع قوله: (في هذه الدنيا). أي: أتبعوا في هذه الدنيا، وفي يوم القيامة لعنة. كما قال: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ}⁣(⁣٤). وقال أيضا في قوله: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}⁣(⁣٥) فيمن نصب⁣(⁣٦)، إنه محمول على موضع قوله: (بإسحق). وإذا كان كذلك، فطعن هذا الطاعن ساقط، لأنه وإن لم يكن بيت الأسدي حجة، فما يقول في غيره.

  [قال أبو الفتح]: وشبّه (ما) بليس في لغة أهل الحجاز، فيقولون: ما زيد قائما. كما يقولون: ليس زيد قائما. فترفع زيدا، لأنه اسم (ما) وتنصب (قائما)، لأنه خبرها. وأما بنو تميم، فيجرونها مجرى (هل)، فلا يعملون (ما)، بل يتركون ما بعدها بحاله، فيقولون: ما زيد قائم. فيرفعون زيدا بالابتداء [٤٦ / ب] وقائم خبره.

  [قلت]: اعلم أن العرب قد اختلفت في إعمال (ما) النافية، فشبهها أهل الحجاز بليس، لأن (ما) لنفي الحال، كما أن (ليس) كذلك. فلما أشبهها أعملوها إعمالهم ليس، فرفعوا بها الاسم، ونصبوا بها الخبر، فقالوا: ما زيد قائما، كما قالوا: ليس زيد قائما. وبلغتهم نزل القران. قال الله تعالى: {ما هذا بَشَراً}⁣(⁣٧) وقال {ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ}⁣(⁣٨). وأما بنو تميم، فلا يعملونها، ويرفعون ما بعدها بالابتداء، والخبر، فيقولون: ما زيد قائم، لأنهم رأوا (ما) تدخل على القبيلين، أعني الأسماء والأفعال، نحو: ما زيد قائم، وما قام زيد، فلا ينبغي أن يعمل كما لا يعمل: هل، وبل، وإنما، وأنما، وغير ذلك.


(١) من الرجز، للعجاج في: ديوانه ٣٩٢، والكتاب ١: ٦٩، والتحصيل ٨٩، والإنصاف ٢: ٣٣٣.

(٢) البيتان من الطويل، للبيد، في: ديوانه ٢٥٥، والكتاب ١: ٦٨، والتحصيل ٨٨، والمقتضب ٤: ١٢٥، وأمالي المرتضى ١: ١٧١، وهمع الهوامع ١: ٢١٨، ٥: ١٥٩، والخزانة ٢: ٢٥٢، ٩: ١١٢.

وبلا نسبة في: الإنصاف ١: ٣٣٤، والمغني ٢: ٤٧٣، والأشموني ٢: ٢٤١.

(٣) ١١: سورة هود ٦٠.

(٤) ٢٤: سورة النور ٢٣.

(٥) ١١: سورة هود ٧١.

(٦) وهي: قراءة العامة.

(٧) ١٢: سورة يوسف ٣١.

(٨) ٥٨: سورة المجادلة ٢.