كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول المطلق، وهو المصدر

صفحة 174 - الجزء 1

  يوجب له التقدم عليهما. وقولهم: المؤكّد أصل والمؤكّد فرع. قلنا: الأسماء التي ليست بمصادر تؤكّد بها، ومع ذلك، لا يوجب لها ذلك تأخرا، وقصورا، وحصرا، عما لنظائره.

  وأما اعتلال: صيام، وقيام، لاعتلال: صام، وقام، فقد يحمل الأصل على الفرع، في بعض المواضع، كما يحمل الفرع على الأصل. ألا ترى أن الفراء، زعم في فتح (ضرب)، أنه محمول على (ضربا) وحمل الواحد على الاثنين. ولا خلاف أن الواحد قبل الاثنين، فلم أنكر منا ما قال به هناك؟! وأولى الأشياء بذلك من الدلائل، تسمية النحاة، أجمع، الضرب، والأكل: مصدرا، لصدور الفعل عنه.

  ولو زعم أن المصدر بمعنى الصادر، لم يسمع منه، لأن الأكثر ما قلنا. وإذا كان كذلك، فقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}⁣(⁣١) يحكم ب (أفضى) أنه مشتق من الفضاء، ولا يحكم بالفضاء أنه مشتق من (أفضى).

  [قال أبو الفتح]: فإذا ذكر المصدر مع فعله، فضلة، فهو منصوب به. تقول: قمت قياما، وقعدت قعودا، أعلمك أن انتصاب المصدر، إنما يكون إذا ذكر الفعل قبله لفظا، أو تقديرا. أو يكون المصدر تأكيدا للفعل الذي قبله، فضلة.

  ألا ترى أنك، إذا قلت: قمت قياما، لم يفهم منه أكثر مما يفهم من قولك: قمت وإنما قال: فضلة، لأنك إذا قلت: ضرب ضرب شديد، أو أعجبني ضرب زيد، لم ينتصب، لأن المصدر ها هنا، عمدة في الكلام، وليس بفضلة.

  [قال أبو الفتح]: وإنما يذكر المصدر، مع فعله، لأحد ثلاثة أشياء، وهي: توكيد الفعل، وبيان النوع، وعدد المرات. تقول في توكيد الفعل: قمت قياما. وفي بيان النوع: قعدت قعودا طويلا. وفي عدد المرات [٥٧ / ب]: قمت قومتين، وقعدت قعدتين، وضربت ثلاث ضربات. ولا يجوز تثنية المصدر، ولا جمعه، لأنه اسم الجنس، ويقع بلفظه على القليل، والكثير، فجرى لذلك مجرى الماء، والزيت، والتراب.

  [قلت]: اعلم أن المصدر اسم للجنس، يتناول القليل، والكثير. وأسماء الأجناس لا تثنى، ولا تجمع ما دامت تتناول القليل، والكثير، إلا إذا اختلفت أنواعه، فحينئذ جاز فيه ما يجوز في سائر الأسماء. قال الله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} (١٢)⁣(⁣٢). والتقى: فعل على وزن افتعل، بمعنى تلاقى. كما أن اجتوروا بمعنى: تجاوروا. ولا يكون التفاعل إلا بين اثنين.

  تقول: تخاصم زيد وعمرو، ولا يجوز: فعمرو، تحقيقا للشركة، والجمع. وجاز التقى الماء، لأنه جنس يتناول القليل، والكثير، كما جاز: المال بين القوم. ولا يقال: المال بين زيد. وجاز بين القوم، لأنه يدل على أكثر من واحد.


(١) ٤: سورة النساء ٢١.

(٢) ٥٤: سورة القمر ١٢.