كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول المطلق، وهو المصدر

صفحة 173 - الجزء 1

  من لفظ واحد. والمصدر اسم للفعل، والفعل مشتق من المصدر.

  [قلت]: إنما سمي المصدر: مفعولا مطلقا، احترازا عن المفعول به. وذلك، لأنك إذا قلت: ضربت ضربا. فضرب: فعلك فعلا مطلقا. وليس كذلك: ضربت زيدا، إذ لست محدثا لزيد، كما أحدثت ضربا. وقوله: (المصدر يدل على حدث، وزمان مجهول).

  هذا كلام يخالف فيه كلام سائر البصريين⁣(⁣١). وذلك، لأنهم زعموا أنّ مدلول المصدر، إنما هو الحدث، فحسب. والفعل، إنما صيغ، ليدل على الحدث، والزمان جميعا. فلو كان المصدر يدل عليهما لم يحتج إلى صيغ الأفعال. وربما يقول أبو الفتح، في جواب ذلك أنّ الفعل يدل على الحدث، والزمان المخصوص. والمصدر يدل على الحدث، والزمان المجهول، فيقال له: إن هذا الزمان المجهول، لا ينفك عنه مخلوق، إذ عليه أجرى الله العادة في خلق هذه الأشياء، في هذه الأزمنة، فليس [٥٦ / ب] للمصادر به اختصاص. فلو قلت: إنّ قولك: ضرب، يدل على الحدث، والزمان المجهول، قيل لك: زيد يدل على الحدث، والزمان المجهول، إذ في الزمان خلق، كما أن الضّرب في الزمان حدث. ولو لزمت ذلك، لزمك أن تقول: إن الضّرب، يدل على الحدث، والزمان المجهول، والمكان الواقع فيه، لأنه لا يقع إلا في مكان.

  وفي المسألة إشكال. ولم يقولوا فيه أكثر، مما قلته لك. وقوله: والمصدر: اسم للفعل، والفعل مشتق منه، يعني بالفعل الأول، الحدث، لأنه فعل حقيقي. ويعني بالفعل الثاني صيغة الفعل، نحو: ضرب يضرب. هذا المشتق من الضرب عندنا. وعند الكوفيين، الضّرب مشتق، من ضرب.

  قالوا، لأنا نقول: ضربت ضربا⁣(⁣٢)، فنعمل ضربت في المصدر، والعامل قبل المعمول، ولأنا نقول: ضربت ضربا، فنؤكد ضربت بالمصدر، والمؤكّد قبل المؤكّد. قالوا، ولأنا نقول: صمت صياما، وقمت قياما. والأصل: صوام، وقوام، فاعتلا لاعتلال الفعل، فعلم أن الفعل متبوع، والمصدر تابع. والصحيح، قول سيبويه، حيث قال: وأما الفعل، فأمثلة⁣(⁣٣) أخذت من المصادر، وذلك، لأن الضرب: يدل على الحدث. وضرب: يدل على الحدث، والزمان جميعا. وكذلك يضرب: يدل عليهما. وإذا كان كذلك، فالمعنى الدائر في الصيغ كلها، هو الحدث. والزمان قد يكون ثابتا، وقد يكون بخلاف ذلك. فما دل على الحدث، كان الأصل. وما دل عليهما، كان فرعا. نظيره من المحسوسات: الذهب، والفضة، مع الصيغ المتخذة منهما. أفيقال: إن صيغة الخلخال، والخاتم، أصل، والذهب فرع، بل الذهب أصل، لأنه دائر في الصيغ كلها، ولأن مدلول المصدر، هو الحدث، ومدلول الفعل: الحدث، والزمان جميعا. والواحد أصل للاثنين. وقولهم: إن الفعل يعمل في المصدر، والعامل الأصل. قلنا: إنّ، وأنّ، ولن، يعملن في الأسماء [٥٧ / أ] والأفعال. وما أظنك تنازعني في كون الحرف فرعا مترتبا على الأسماء، والأفعال. ومع ذلك، عمل الحرف فيهما لا


(١) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١: ٢٣٥، ٢٣٧.

(٢) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١: ٢٣٥.

(٣) الكتاب ١: ١٢، وفيه: (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء).