باب المفعول المطلق، وهو المصدر
  أصحابنا فيه. فمنهم من قال: إنه منصوب بنفس (قعد) كما أن القيام الذي تعلم منصوب، بنفس (قمت). ومنهم من قال: إن القرفصاء، صفة مصدر مضمر، أي: قعد القعدة القرفصاء، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، كما تقول: أعطيته جزيلا، أي: عطاءا جزيلا. وكما قال تعالى: {وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} (١٢)(١) ثم قال: {وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها}(٢) أي: وجنة دانية عليهم ظلالها. وقال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}(٣) أي قوم: يحرفون الكلم. وإن قدّرت: من الذين هادوا من يحرفون الكلم، ف (من) موصوف، وليس بموصول، لأن الموصولة لا تحذف. وقد جاء: {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ}(٤) أي: وما أنتم بمعجزين من في الأرض ولا من في السماء. فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه. وقد جاء حذف الصفة، وهو قليل. قال تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}(٥) ولم يقل: من أمّ.
  [قال الشاعر]:
  ١٤٧ - لو قلت: ما في قومها، لم تيثم ... يفضلها في حسب، وميسم(٦)
  أي: ما في قومها أحد يفضلها، فحذف.
  [وقال آخر]:
  ١٤٨ - أتنتهون؟ ولن ينهى ذوي شطط ... كالطّعن يذهب فيه: الزّيت، والفتل(٧)
  فليس على حذف [٥٨ / ب] الموصوف، على تقدير: فلن ينهى ذوي شطط، شيء كالطعن، لأن الفاعل لا يحذف، وإن ألزمت، {وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (٣٤)(٨) مع قوله: ومن لا يفعل بها في الواجب هذا، فإنه قد قال، وعلى: لا يفعل به هذا.
  [قال الشاعر]:
  ١٤٩ - إنّ الكريم، وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوما على من يتّكل(٩)
  التقدير: إن لم يجد يوما من يتكل عليه. و (على) زائدة. وقد قال ذلك، ف (من) زائدة، وإن قال ذلك. فقولهم: قعد القرفصاء، لهذا حمله على حذف الموصوف، أعني المبرد. ومعنى قولهم:
(١) ٧٦: سورة الإنسان ١٢.
(٢) ٧٦: سورة الإنسان ١٤.
(٣) ٤: سورة النساء ٤٦.
(٤) ٢٩: سورة العنكبوت ٢٢.
(٥) ٤: سورة النساء ١٢.
(٦) من الرجز، نسب إلى حكيم بن معية، وحميد الأرقط. في: معاني القرآن - للفراء ١: ٢٧١، والخزانة ٥: ٦٢، ٦٣، ٦٨.
وبلا نسبة في: الكتاب ٢: ٣٤٥، والتحصيل ٣٦٧، والخصائص ٢: ٣٧٠، وابن يعيش ٣: ٥٩.
(٧) سبق ذكره رقم (٨).
(٨) ٦: سورة الأنعام ٣٤.
(٩) من الرجز، بلا نسبة في: الكتاب ٣: ٨١، والتحصيل ٤١٢، والخصائص ٢: ٣٠٥، والمغني ١: ١٤٤، والعقد ٥: ٣٩٢، واللسان (عمل) ١١: ٤٧٥، وشفاء العليل ٢: ٦٦٥، والخزانة ١٠: ١٤٣.