كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول المطلق، وهو المصدر

صفحة 177 - الجزء 1

  قعد القرفصاء، أي: قعد قعودا محتبيا بيديه، لا بثوبه، وهو مضموم الأول، ممدود. وفيه لغة أخرى: قعد القرفصا، مقصور، مكسور الأول. ويقال: قرفصته: أي، شددت يده على ركبته.

  وأبو سعيد قدر هذا الكلام، فقال، تقديره: قعد القعود القرفصاء، وليس بالوجه، وإنما الوجه: قعد القعدة القرفصاء، لأن الألف للتأنيث⁣(⁣١).

  وكذلك اشتمل الصماء، أي: الاشتمالة الصماء، وهو أن يتجلل بثوب، ويكون يداه داخل الثوب.

  ورجع القهقرى، أي: الرجعة القهقرى. ويقال: قهقر الرجل: إذا تراجع إلى خلف. والقهقر، والقهقور⁣(⁣٢): حجر أملس أسود، وكأنه لدورانه، سمي بهذا الاسم.

  وسار الجمزى، أي: السّيرة الجمزى. ويقال: جمز يجمز جمزا، وجمزى: إذا أسرع.

  والجمّيزى: شجرة، كالتين. والجمّيز: ضرب من التمر. وفي الحديث: (أنه ضاق عليه، كمّا جمّازة كانت عليه)⁣(⁣٣) يعني: درعا ضيقة الكمّ.

  وعدا البشكى: البشكى: خفّة القوائم. يقال: فرس بشكى اليدين: خفيفهما، أي: عدا العدوة البشكى، أي: عدوة خفيفة سريعة.

  [قلت]: واعلم أنّ كل ما يضاف إلى المصدر، فإنه ينتصب انتصاب المصدر. تقول: ضربت أحسن الضرب. والتقدير: ضربت ضربا أحسن الضرب، فحذفت الموصوف، وأقمت الصفة مقامه، كما فعلت ذلك فيما تقدم. وإذا قلت: ضربت ضرب زيد، فتقديره: [٥٩ / أ] ضربت ضربا مثل ضرب زيد فحذفت الموصوف، وهو المصدر، وأقمت الصفة مقام الموصوف، فصار التقدير: ضربت مثل ضرب زيد، ثم حذفت المضاف، وأقمت المضاف إليه مقامه، فصار التقدير: ضربت ضرب زيد. لا بد من هذا التقدير، لأنك، إنما تفعل مثل فعل زيد، ولا تفعل فعل زيد.

  فإذن صحّ ما قدّرنا. وتقول: أنت سيرا. وتقديره: أنت تسير سيرا، فحذفت الفعل، لأن المصدر يدل عليه ولو رفعت، فقلت: أنت سير، فتجعله عين المصدر، جاز، من ثلاثة أوجه: إما أن يكون على تقدير: أنت ذو سير. أو على تقدير: أنت سائر، كقوله تعالى: {أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً}⁣(⁣٤) أي: غائرا. أو يكون اتساعا، على تقدير جعله سيرا. [قال الشاعر]:

  ١٥٠ - ترتع ما رتعت، حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال، وإدبار⁣(⁣٥)


(١) الكتاب ٤: ٢٩٦، وفيه: (ويكون (أي: ما لحقته ألف التأنيث) على مثال: فعللاء ... قالوا: القرفصاء، وهو اسم).

(٢) اللسان (قهر) ٥: ١٢١.

(٣) كتاب الغريبين (غريبي: القرآن، والحديث) ١: ٣٩٣.

(٤) ١٨: سورة الكهف ٤١.

(٥) البيت من البسيط، للخنساء، في: ديوانها ٢٦، والكتاب ١: ٣٣٧، والتحصيل ٢٠٩، وفيه: ما غفلت، بدل: ما رتعت، ومعاني القرآن - للأخفش ١: ٩٧، والخصائص ٢: ٢٠٣، ٣: ١٨٩، والمقتضب ٣: ٢٣٠، ٤: ٣٠٥، واللسان (قبل) ١١: ٥٣٨.

وبلا نسبة في: المقتصد ١: ٢٤٥ (عجزه)، وابن يعيش ١: ١١٥.