باب المفعول المطلق، وهو المصدر
  أي: فإنما هي ذات إقبال، وإدبار. أو يكون: فإنما هي مقبلة، ومدبرة. أو جعلتها الإقبال، والإدبار، اتساعا، كما قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ}(١) وقال: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ}(٢) فجعلهم برّا، وجعل الأشهر حجّا، لوقوعه فيها. وقد قالوا: ولكنّ ذا البرّ. وقد قالوا: ولكن البار.
  وقد قالوا: ولكنّ البرّ برّ من آمن. ومن ذلك قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ}(٣) لأن قوله: (ترى الجبال تحسبها)، دل على أنه صنع ذلك، فجاء صنع الله عليه. وقال {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}(٤)، وقال: {كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ}(٥) لأن قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ}(٦) دل على أنه كتب، فجاء: (كتاب الله) على ذلك.
  ومن قال: إنّ التقدير: عليكم كتاب الله، فانتصب ب (عليكم) متقدما، كما انتصب به متأخرا، فليس بالسهل، لأن (عليك) غير متصرف. فلا يبلغ من قوته تقديم المعمول عليه. وإن قال، فقد [قال الشاعر]:
  ١٥١ - يا أيّها المائح، دلوي، دونكا(٧)
  أي دونك دلوي، فقدّم. قلنا: بل، دلوي: مبتدأ. ودونك: الخبر. فليس لك فيه حجة.
  ومثل قولهم: أنت سير، قولهم: أنت واحدة، والتقدير: أنت ذات [٥٩ / ب] تطليقة واحدة.
  فحذف المضاف، فصار: أنت تطليقة واحدة. ثم حذف الموصوف، فصار: أنت واحدة، فتقع عليها طلقة. ولا يكون كقولهم: أنت قاعدة، لأن (قاعدة) نعت المرأة. وواحدة: نعت التطليقة.
  فافترق الحال بينهما. واعلم أنهم قد أقاموا أسماء الفاعلين مقام المصادر، فعاملوها معاملتها، فقالوا: أقائما وقد قعد الناس. كما قالوا: ضربا زيدا، على تقدير: اضرب زيدا. وكما قالوا: الحذر الحذر، على تقدير: احذر احذر. ف (أقائما) كأنه: أتقوم قائما، فأضمروا، كما أضمروا ثمّ. [قال الشاعر]:
  ١٥٢ - ألم ترني عاهدتّ ربّي. وإنني ... لبين رتاج، قائم، ومقام
  على حلفة، لا أشتم الدّهر، مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام(٨)
(١) ٢: سورة البقرة ١٩٧.
(٢) ٢: سورة البقرة ١٧٧.
(٣) ٢٧: سورة النمل ٨٨.
(٤) ٤٧: سورة محمد ﷺ ٤.
(٥) ٤: سورة النساء ٢٤.
(٦) ٤: سورة النساء ٢٣.
(٧) من الرجز، لجارية من الأنصار، وبعده:
... إني رأيت الناس يمدحونكا
وهو بهذه النسبة في: سيرة ابن هشام ٣: ٣٢٥.
وبلا نسبة في: مقاييس اللغة (ميح) ٥: ٢٨٧، والمذكر والمؤنث ٣٣٢ (بتمامه)، والإنصاف ١: ٢٢٨، وشرح شذور الذهب ٤٠٧، وأوضح المسالك ٥٤٩، والمغني ٢: ٦٠٩، ٦١٨، والتاج (ميح) ٧: ١٥٧.
المائح: الذي يستقي الماء من البئر.
(٨) البيتان من الطويل، للفرزدق، في: ديوانه ٢: ٤٨٠، والكتاب ١: ٣٤٦، والتحصيل ٢١٣، والمقتضب ٤: ٣١٣، وأمالي المرتضى ١: ٦٣، وابن يعيش ٢: ٥٩، والخزانة ١: ٢٢٣، ٤: ٤٦٤، ٤٦٥، ٤٦٦.
وفي جميع هذه المصادر ورد (قائما)، بدل: (قائم) عدا الخزانة ١: ٢٢٣.