باب المفعول به
  ظننته زيد قائم. فيكون الهاء: للشأن، والحديث. و (زيد قائم): مبتدأ، وخبر، تفسير لذلك المضمر. فإن قلت: زيدا ظننت الظن قائما، فلا يجوز الإلغاء، وإن توسط، لأنك أكدت (ظننت) بالمصدر. فإن قلت: زيد، ظننته، قائم. أو: زيد، ظننت، ذاك قائم، فالإلغاء أحسن قليلا، إذ ليس في لفظ (ذاك)، ولا في لفظ الهاء دليل على المصدر. ولهذا لم يجيزوا: مروري بزيد، حسن وهو بعمرو، قبيح، لأنه، ليس في (هو) دليل على لفظ المصدر، فلا يتعلق به الجار.
  واعلم أن (علمت)، إنما يتعدى إلى مفعولين، إذا كان من العلم الحقيقي، نحو: علمت زيدا قائما. فأما إذا كان معنى (علمت): عرفت [فقد](١) تعدى إلى مفعول واحد، نحو قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ}(٢). أي: لا تعرفونهم، أي: لا تعرفون نفاقهم. وقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ}(٣) أي: عرفتم.
  وأما (رأيت)، فإنه، إذا كان من رؤية البصر، [فقد](٤) تعدى إلى مفعول واحد، كقولك: رأيت زيدا، أي: أبصرته. وقال #: (سترون ربكم)(٥). يعني: ببصركم. ومن [٦٤ / ب] قال: إنه من رؤية القلب، فقد ارتكب إضمار المفعول الثاني. وهذا مما لا يجوز، فاعرفه.
  وأما إذا كان من رؤية القلب [فقد](٦) تعدى إلى مفعولين، كقولك: رأيت الله غالبا. وإذا كان من قولهم: فلان يرى رأي أبي حنيفة، فإنه يتعدى إلى مفعول واحد.
  ويتعدى إلى الثاني بهمزة النقل، كقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ}(٧) ف (أراك) ها هنا، يتعدى إلى مفعولين. والتقدير: بما أراكه الله. فالكاف: المفعول الأول. والعائد إلى الموصول: المفعول الثاني. وهو منقول من (رأيت) الذي هو من الرأي. وليس بمنقول من (رأيت) بمعنى: أبصرت، إذا لا معنى له، هاهنا. وليس بمنقول من (رأيت) الذي هو من رؤية القلب، لأنه تعدى إلى مفعولين. ولو كان منقولا منه تعدى إلى ثلاثة مفعولين.
  وتقول العرب: أرأيتك زيدا ما صنع؟. قال الله تعالى حكاية عن اللعين(٨): {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ}(٩). وقال: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً}(١٠) فالكاف للخطاب، لا محل لها من الإعراب. وزيدا: المفعول الأول. وما صنع: في موضع المفعول الثاني. وإن قلت: الكاف: المفعول الأول. وزيدا: المفعول الثاني، فهو كلام فاسد، لا طائل عند الاشتغال بإفساده، لظهوره، على أنه لو كان الكاف المفعول الأول، وزيدا: المفعول الثاني، لكان (زيد) هو (الكاف) في: المعنى، لأن المفعول الثاني، في هذا الباب، خبر المبتدأ. وخبر المبتدأ إذا كان مفردا، كان
(١) زيادة تقتضيها (أما) الشرطية.
(٢) ٨: سورة الأنفال ٦٠.
(٣) ٢: سورة البقرة ٦٥.
(٤) زيادة تقتضيها (إذا) الشرطية.
(٥) المعجم الكبير - للطبراني ٢: ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦.
(٦) زيادة تقتضيها (أما)، و (إذا) الشرطيتان.
(٧) ٤: سورة النساء ١٠٥.
(٨) اللعين: هو إبليس.
(٩) ١٧: سورة الإسراء ٦٢.
(١٠) ٦: سورة الأنعام ٤٧.