كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الحال

صفحة 206 - الجزء 1

  [وقال الشاعر]:

  ١٨٤ - لمية، موحشا، طلل قديم ... ... (⁣١)

  [قال أبو الفتح]: والعامل في الحال على ضربين: متصرف وغير متصرف. فاذا كان العامل متصرفا؛ جاز تقديم الحال. تقول: جاء [٧٤ / أ] زيد راكبا. و: راكبا جاء زيد. و: جاء، راكبا زيد. كل ذلك جائز؛ لأن (جاء) متصرف. تقول: جاء، يجيء، مجيئا، فهو جاء.

  والتصرف: هو التنقل في الأزمنة. وكذلك: أقبل محمد، مسرعا، وأقبل مسرعا، محمد.

  ومسرعا، اقبل محمد. لأن (أقبل) متصرف⁣(⁣٢).

  [قلت]: التصرف في المعمول على حسب التصرف في العامل. فإذا كان العامل قويا بالتصرف فيه، كان التصرف في معموله أقوى منه، إذا لم يكن العامل متصرفا. ألا ترى أنّ باب (كان) يتصرف في خبره بالتقديم على الاسم وعلى (كان) وباب (إنّ) لا يتصرف في خبره بالتقديم وما ذلك إلا؛ لأن (كان) متصرف، (وإنّ) غير متصرف. فكذا، هاهنا: إذا كان العامل متصرفا؛ جاز التصرف؛ في الحال بالتقديم، على صاحبها، وعلى عاملها؛ لا خلاف في ذلك فأما إذا لم يكن العامل متصرفا؛ فإنه لا يجوز تقديم الحال على العامل فيها؛ كقولك: هذا زيد قائما. لا يجوز:

  قائما هذا زيد. ويجوز: هذا قائما زيد. وأبو الحسن، يجيز في قوله تعالى: {وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا}⁣(⁣٣). فيمن قرأ بالنصب⁣(⁣٤): أن تكون حالا من الضمير في الظروف، وهو قوله" لذكورنا" على تقدير: ما في بطون هذه الأنعام ثابتا هي لذكورنا خالصة. فالعامل في الحال هو الظرف عنده⁣(⁣٥) وأجاز تقديم الحال عليه، فيجيز: زيد، قائما، في الدار، ويجيز مررت، جالسا، بزيد في تقدير: مررت بزيد جالسا. ونحن لا نجيز شيئا من ذلك؛ لقلة تصرف العامل.

  ونحمل نصب (خالصة) على الحال من الضمير، مما في قوله: {فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ} أي: وقالوا: ما ثبت في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا.

  [فإن قلت]: فإنكم زعمتم أن الحال تشبه الظرف. والظرف يعمل فيه المعنى، متقدما، كقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}⁣(⁣٦). وقولهم: أكلّ يوم لك ثوب. فيعمل (في شأن) و (لك) في (كل يوم). فلم لا يجوز قول أبي الحسن؟. [٧٤ / ب].

  [الجواب]: أنّ الحال، وإن أشبه الظرف، فإنه يشبه المفعول به. والمفعول به إذا تقدم على


(١) عجز بيت من الوافر، سبق ذكره رقم (٨١)

(٢) اللمع في العربية ١٣٥، وفيه: تقديم الحال عليه.

(٣): سورة الأنعام ١٣٩.

(٤) وهم: ابن عباس، والزهري، وقتادة، والأعرج، وابن جبير، وسفيان بن حسين. إعراب القرآن - للنحاس ١: ٨٥٤، مختصر في شواذ القرآن ٤١، والمحتسب ١: ٢٣٢، والكشاف ٢: ٥٥ ومجمع البيان ٤: ٣٧٢، والتبيان - للعكبري ١: ٢٦٢، وتفسير القرطبي ٧: ٩٦، والبحر المحيط ١: ٢٣١.

(٥) أي: عند أبي الحسن، الأخفش. مجمع البيان ٤: ٣٧٣.

(٦) ٥٥: سورة الرحمن ٢٩.