كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التمييز

صفحة 211 - الجزء 1

  زبدا. لما أضفت المثل إلى الهاء، لم يمكنك أضافته ثانيا، فنصبته على التمييز، لأن المضاف إليه قائم مقام التنوين. فكما كان في: ضارب زيدا، وعشرين رجلا، كان الاسم منصوبا، فكذا ها هنا.

  ومن المنصوب على التمييز، قولهم: مررت برجل حسن وجها، لما كان في (حسن) ضمير يعود إلى رجل. وكان (حسن) مبهما، نصبته على التمييز، لأنه يفسره. فإذا قلت: مررت برجل حسن الوجه، لم يكن تمييزا، بل كان على التشبيه بالمفعول به، لأن المعرفة لا يكون تمييزا.

  ومن المنصوب على التمييز: هو أحسن منك أبا، وأكثر الناس مالا، وأنظف منك ثوبا.

  فتنصب هذا كلّه على التمييز، للفصل بين الاسم الأول، والثاني ب (منك)، و (بالمضاف إليه).

  ويجوز: هو أحسن أبا منك، فتؤخر الفصل. والنية به التقديم. كما أنك إذا قلت: ضرب غلامه زيد، كان في اللفظ مقدما وفي المعنى مؤخرا وإذا قلت: هو أفره عبد، وأنظف ثوب لم يكن معناه معنى قولك: هو أنظف منك ثوبا، وأفره منك عبدا. لأنه في الأول بعض ما أضيف إليه، لأن (أفعل) أبدا، إذا كان مضافا، كان بعض المضاف إليه، بخلاف الثاني. لأن الثاني فيه المنصوب غير الأول، وليس هو ببعض منه. ألا ترى أنك إذا قلت: هو أنظف منك ثوبا، ففي (أنظف) ضمير يعود إلى ما يعود إليه هو، وهو الرجل. فكأنك قلت: الرجل أنظف منك. ثم بينت أن النظافة فيه من جهة الثوب. وذلك، لأن هذه الأشياء، في الأصل، كانت لهذه المنصوبات، فنقلت عنها إلى من كانوا بأسباب منها، كما تقدم في قولنا: طاب زيد نفسا. وقوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فإذن: أنظف [٧٧ / ب] منك ثوبا، وأفره منك عبدا، بخلاف قولنا في المعنى: أفره عبد، وأنظف ثوب.

  إذ قولك: ثوبك أنظف ثوب، وعبدك أفره عبد، المضاف بعض المضاف إليه. وهذا لا إشكال فيه. ولهذا قالوا، يجوز: زيد أفضل الإخوة. ولا يجوز: زيد أفضل إخوته. لأنك، إذا قلت: زيد أفضل الإخوة، فإنه بعضهم، فيجوز أن تضيف إليهم. ولا يجوز: زيد أفضل إخوته، لأنه خارج منهم. ويوضح هذا أنك، إذا قلت: من الإخوة؟. قلت: زيد، وعمرو، وبكر، فتعده منهم. وإذا قلت: من إخوة زيد؟. قلت: بكر، وخالد، وعمرو، ولا تذكر زيدا. فعلمت أنه خارج منهم.

  واعلم، أنك، إذا قلت: طاب زيد نفسا، وامتلأ الحوض ماءا [ف]⁣(⁣١) لا يجوز أن تقول: نفسا طاب زيد. ولا: ماءا امتلأ الحوض، عندنا. ويجيزه: المازني، والمبرد. ويحتجان [بقول الشاعر]:

  ١٨٩ - أتهجر ليلى بالفراق، حبيبها ... وما كان (نفسا) بالفراق تطيب⁣(⁣٢)

  فقدم المنصوب. والتقدير: وما كان تطيب نفسا. ونحن نرويه:


(١) إضافة يتطلبها السياق.

(٢) البيت من الطويل للمخبل السعدي في: (المخبل السعدي: حياته وما تبقى من شعره) - ضمن (مجلة المورد / المجلد الثاني / العدد (١) ص ١٢٤ لسنة ١٣٩٣ هـ - ١٩٧٣ م)، والخصائص ٢: ٣٨٤، واللسان (حبب) ١: ٣٩٠، كما نسب لأعشى همدان، ولمجنون ليلى، وهو بهذه النسب المختلفة وبلا نسبة في المقتضب ٣: ٣٧، والإنصاف ٢: ٨٢٨.